للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما لا خِلافَ فيه بين العُلماءِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قد نصَّ عليه في كِتابِهِ للمُذنِبينَ مِنَ المُسلِمينَ، وللكُفّارِ أيضًا.

وقال ابنُ عبّاسٍ، ومجُاهِدٌ، والضَّحاكُ، وقتادةُ، وغيرُهُم في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} قالوا: كلُّ ما عُصِيَ اللهُ به، فهُو جَهالةٌ، ومن عمِلَ السُّوءَ وعَصىَ الله، فهُو جاهِلٌ {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء: ١٧] قالوا: ما دُونَ الموتِ، فهُو قَرِيبٌ (١).

وهذا أيضًا إجماعٌ في تأويلِ هذه الآيةِ، فقِفْ عليه.

ذكَرَ وكيعٌ، عن سُفيانَ، عن يَعْلَى بن النُّعمانِ، عن ابن عُمرَ، قال: التَّوبةُ مبسُوطةٌ ما لم يَسُقِ العَبْدُ. يقولُ: يَقَعْ في السَّوْق (٢).

ولقد أحسنَ محمودٌ الورّاقُ رحِمهُ الله حيثُ قال (٣):

قدِّمْ لِنفسِكَ تَوْبةً مرجُوَّةً ... قبلَ المماتِ وقبلَ حَبْسِ (٤) الألسُنِ

بادِرْ بها (٥) عُلَقَ (٦) النُّفُوسِ فإنَّها ... ذُخْرٌ وغُنْمٌ للمُنيبِ المُحسِنِ

قال أبو عُمر: التَّوبةُ أن يترُكَ ذلك العملَ القبيحَ بالنِّيَّةِ والفِعْلِ، ويَعْتَقِدَ أن لا يَعُودَ إليه أبدًا، وَينْدمَ على ما كان منهُ، فهذه التَّوبةُ النَّصُوحُ المقبُولةُ إن شاءَ اللهُ عندَ جماعةِ العُلماءِ، واللهُ بفضلِهِ يُوفِّقُ ويعصِمُ من يَشاءُ، لا شَريكَ له (٧).


(١) انظر: سنن سعيد بن منصور (٥٩٦، تفسير)، وتفسير الطبري ٨/ ٩٤ (٨٨٥٠)، وتفسير ابن أبي حاتم ٣/ ٨٩٧ (٤٩٩٩)، والبيهقي في شعب الإيمان (٧٠٧٣، ٧٠٧٤)
(٢) كتب ناسخ د ٤ في الحاشية أنها في نسخة أخرى: "السياق". وانظر: تفسير الطبري ٨/ ٩٩ (٨٨٦٠)، وتفسير ابن أبي حاتم ٣/ ٩٠٠ (٥٠١٧)، والبيهقي في شعب الإيمان (٧٠٧٢) من طريق سفيان، به.
(٣) انظر: كتاب بهجة المجالس للمؤلف ٢/ ٢٥٩.
(٤) في د ٤: "وقع"، لكنه ضبّب عليها.
(٥) في م: "بادرنها" بدل: "بادر بها".
(٦) في د ٤: "غَلْق"، وهي بمعنى، العُلَق: المنايا، والأشغال. انظر: لسان العرب ١٠/ ٢٦٦.
(٧) قوله: "لا شريك له" من د ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>