للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقدِ اختلَفَ العُلماءُ في المُلاعَنةِ على الحمل (١)، فقال منهُم قائلُونَ: لا سبيلَ إلى أن يُلاعِنَ أحدٌ عن حَمْل، ولا لأحَدٍ أن يَنْتفيَ من وَلدٍ لم يُولَد بَعدُ، ولأنَّهُ رُبَّما حسِبَ أنَّ بالمرأةِ حَمْلًا، وليسَ بها حملٌ. قالوا: وكم حَمْلٍ ظاهرٌ (٢) في رأيِ العَيْنِ، ثُمَّ انفشَّ واضْمَحلَّ. قالوا: فلا لِعانَ على الحملِ بوَجْهٍ من الوُجُوهِ. قالوا: ولوِ التعَنَ أحدٌ على الحَمْلِ، لم ينتَفِ عنهُ الولدُ، حتّى ينفيهُ بعدَ أن يُولد ويلتعِنُ بعدَ ذلك، ويَنْفيه في اللِّعانِ، فحينئذٍ يَنْتفي عنهُ. هذا قولُ أبي حنيفةَ، وطائفةٍ من فُقهاءِ الكُوفة.

وقال آخرُونَ: جائزٌ أن يَنْتفي الرَّجُلُ من الحَمْلِ، إذا كان حملًا ظاهِرًا. هذا قولُ مالكٍ والشّافِعيِّ وجَماعةٍ من فُقهاءِ أهلِ الحِجازِ والعِراقِ. وحُجَّتُهُم: أنَّ المرأةَ التي لاعنَ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بينها وبين زَوْجِها كانت حامِلًا، فانْتَفى المُلاعِنُ من ولَدِها، ففرَّقَ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بينهُما، وألحقَ الولدَ بأُمِّهِ.

والآثارُ الدّالَّةُ على صِحَّةِ هذا القولِ كَثِيرةٌ، وسنَذكُرُ منها في هذا البابِ ما فيه كِفايةٌ، وشِفاءٌ وهِدايةٌ إن شاءَ الله.

وجُملةُ قولِ مالكٍ (٣) وأصحابِهِ في هذه المسألةِ: أنَّهُ لا يُنْفَى الحملُ بدعوى رُؤيةِ الزِّنا، ولا يُنْفَى الحملُ إلّا بدعوى الاسْتِبراءِ وأنَّهُ لم يَطَأ بعد الاستِبراءِ، والاسْتِبراءُ عندَهُم حَيْضةٌ كامِلةٌ. هذا قولُ مالكٍ وأصحابِهِ، إلّا عبد الملِك، فإنَّهُ قال: ثلاثُ حِيَضٍ. ورواهُ أيضًا عن مالكٍ.

وقال ابنُ القاسم: لا يلزمُهُ ما وَلَدت بعدَ لِعانِهِ، إلّا أن يكونَ حَمْلًا ظاهِرًا حينَ لاعنَ بإقرارٍ أو بيِّنةٍ فيُلحَقُ به.


(١) ينظر: الإشراف لابن المنذر ٥/ ٣١٦.
(٢) في ظا، م: "ظهر"، والمثبت من الأصل، د ٤.
(٣) انظر: المدونة ٢/ ٣٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>