للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: قد جاءَ في هذا خبرٌ كفانا انتِحالَ التَّعليلِ والنَّظرِ، ذكَرَهُ عبدُ الرَّزّاق (١)، عن عمِّهِ وَهْبِ بن نافع، قال: حدَّثني عِكْرِمةُ، عن ابن عبّاس، أنَّهُ سَمِعهُ يقولُ: الطَّلاقُ الحَلالُ، أن يُطلِّقها طاهِرًا من غيرِ جِماع، أو يُطلِّقها حامِلًا مُسْتبينًا حملُها، وأمّا الطَّلاقُ الحرامُ، فأنْ يُطلِّقَها حائضًا، أو يُطلِّقها حينَ يُجامِعُها، فلا يَدْري أيشتمِلُ الرَّحِمُ على وَلَدٍ أم لا؟

وأمّا الطَّلاقُ فقد قيلَ فيه ما ذكَرْنا، وقيلَ: إنَّ المُطلِّقَ في الحَيْضِ إنَّما أُمِرَ بالمُراجَعةِ ليَسْتفتحَ (٢) بالرَّجْعَةِ طلاقَ السُّنَّةِ، فإذا لم يُحقِّقِ الرَّجْعَةَ بالوطءِ، لم يَكُن لها معنًى.

وقيلَ: إنَّما نُهي عن الطَّلاقِ في الحَيْضِ، لئلّا تطُولَ عِدَّةُ المرأةِ، وأُمِرَ بمُراجعتِها لوُقُوع طَلاقِهِ فاسِدًا، ثُمَّ لم يَجُز أن يُباحَ لهُ طلاقُها في الطُّهرِ الذي يَلي تلكَ الحَيْضةَ؛ لأنَّهُ لو أُبيحَ لهُ أن يُطلِّقها إذا طَهُرت من تلكَ الحَيْضةِ، كانت في معنى المُطلَّقةِ قبلَ الدُّخُولِ، وكانت تَبْني على عِدَّتِها الأُولى، فأرادَ اللهُ تعالى أن ينقطِعَ حُكمُ الطَّلاقِ الأوَّلِ بالوَطْءِ، فإذا وطِئَها في الطُّهرِ، لم يَتَهيَّأ لهُ أن يُطلِّقها فيه حتّى تحيضَ، ثُمَّ تطهُرَ، فإذا طلَّقها بعدَ ذلك، استأنفَتْ عِدَّتُها من ذلك الوَقْتِ، ولم تبِن.

وقيل: إنَّهُ لمّا طلَّقَ في وقتٍ، لم يَكُن لهُ أن يُطلِّقَ فيه، أُدِّبَ بأنْ مُنِعَ الطَّلاقَ في وَقْتٍ كان لهُ أن يُوقِعَهُ فيه.

وقد قيلَ: إنَّ الطُّهرَ الثّانيَ جُعِلَ للإصْلاح، الذي قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: ٢٢٨]؛ لأنَّ حقَّ المُرتجِع أن لا يَرْتجِعَ رَجْعةَ ضِرارٍ، لقولِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة: ٢٣١].


(١) أخرجه في المصنَّف (١٠٩٣٠) ومن طريقه البيهقي في السنن ٧/ ٣٢٥.
(٢) في م: "ليستباح".

<<  <  ج: ص:  >  >>