للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُراجِعَها ليُخرِجها من أسبابِ الطَّلاقِ الخطأ، ثُمَّ يترُكَها حتّى تَطْهُرَ من تلكَ الحَيْضةِ، ثُمَّ يُطلِّقَها طلاقًا صَوابًا، إن شاءَ طلاقَها. ولم يرَوْا للحَيْضةِ الأُخرى بعدَ ذلك معنًى، على ظاهِرِ ما رَوَى هؤُلاءِ.

قال أبو عُمر: للحَيْضةِ الثّانيةِ، والطُّهرِ الثّاني وُجُوهٌ عندَ أهلِ العِلم.

مِنْها: أنَّ المُراجَعةَ لا تكادُ تُعلَمُ صِحَّتُها إلّا بالوَطْءِ؛ لأنَّهُ المُبتَغَى من النِّكاح في الأغْلَبِ، فكان ذلكَ الطُّهرُ موضِعًا للوَطْءِ تُستَيقنُ به المُراجعةُ، فإذا مَسَّها، لم يَكُن (١) سبيلٌ إلى طَلاقِها في طُهْرٍ قد مَسَّها فيه، لقولِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: "وإن شاءَ طلَّقَ قبلَ أن يَمسَّ"، ولإجماعِهِم على أنَّ المُطلِّقَ في طُهر قد مَسَّ فيه، ليسَ بمُطلِّقٍ للعِدَّةِ، كما أمرَ اللهُ سُبحانهُ، فقيل لهُ: دعها حتّى تحيضَ أُخْرَى، ثُمَّ تطهُرَ، ثُمَّ طلِّق إن شِئتَ قبلَ أن تَمسَّ.

وقد جاءَ هذا المعنى منصُوصًا في هذا الحديثِ؛ حدَّثناهُ عبدُ الوارثِ بن سُفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبَغَ، قال: حدَّثنا إبراهيمُ بن عبدِ الرَّحيم، قال: حدَّثنا مُعلَّى بن عبدِ الرَّحمن الواسِطيُّ، قال: حدَّثنا عبدُ الحَميدِ بن جَعْفرٍ، قال: حدَّثني نافعٌ ومحمدُ بن قَيْسٍ، عن عبدِ الله بن عُمرَ: أنَّهُ طلَّقَ امرأتَهُ وهي في دَمِها حائضٌ، فأمَرهُ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُراجِعَها، فإذا طَهُرت مسَّها، حتّى إذا طَهُرت أُخرَى، فإن شاءَ طلَّقها، وإن شاءَ أمْسَكَها (٢).

وقد قال بعضُ أصحابِنا: إنَّ الذي يَمسُّ في الطُّهرِ، إنَّما نُهي عن الطَّلاقِ فيه؛ لأنَّها لا تَدْري أعِدَّةَ حامِلٍ تَعْتدُّ، أم عِدَّةَ حائلٍ؟


(١) زاد هنا في م: "له".
(٢) أخرجه البخاري (٥٢٥١)، ومسلم (١٤٧١) (١) و (٢) و (٣) من طرق عن نافع وحده، بهذا الإسناد.

<<  <  ج: ص:  >  >>