للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدَّليلُ على أنَّ الطَّلاقَ لازِمٌ في الحَيْضِ، أمرُ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ابنَ عُمرَ بمُراجَعةِ امرأتَهُ، إذ طلَّقها حائضًا، والمُراجعةُ لا تكونُ إلّا بعدَ لُزُوم الطَّلاقِ، ولو لم يَكُن الطَّلاقُ في الحَيْضِ واقِعًا، ولا لازِمًا، ما قال لهُ: "راجِعها"؛ لأنَّ من لم تَطْلُق (١)، ولم يَقَع عليها طلاقٌ، لا يُقالُ فيه: راجِعْها، لأنَّهُ مُحالٌ أن يُقال لرجُلٍ امرأتُهُ في عِصْمتِهِ، لم يُفارِقها: راجِعْها، ألا ترَى إلى قولِ الله عزَّ وجلَّ في المُطلَّقاتِ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨] ولم يَقُل هذا في الزَّوجاتِ اللّائي لم يَلْحقهُنَّ طلاقٌ؟

وعلى هذا جماعةُ فُقَهاءِ الأمْصارِ، وجُمهُورُ عُلَماءِ المُسلِمينَ، وإن كان الطَّلاقُ عندَ جَميعِهِم في الحَيْضِ بِدْعةً غيرَ سُنَّةٍ، فهُو لازِمٌ عندَ جَميعِهِم.

ولا مُخالِفَ في ذلك، إلّا أهلُ البِدَع والضَّلالِ والجَهْلِ، فإنَّهُم يقولُونَ: إنَّ الطَّلاقَ لغيرِ السُّنَّةِ غيرُ واقِع، ولا لازِم.

ورُوِيَ مِثلُ ذلك عن بعضِ التّابِعينَ، وهُو شُذُوذٌ لم يُعرِّجْ عليه أهلُ العِلْم من أهلِ الفِقهِ والأثرِ في شيءٍ من أمصارِ المُسلِمينَ لِما ذكَرْنا، ولأنَّ ابنَ عُمرَ الذي عرَضَتْ لهُ القِصَّةُ (٢)، احتسَبَ بتلكَ الطَّلقة (٣)، وأفْتَى بذلكَ، وهُو مِمَّن لا يُدفَعُ عِلمُهُ بقِصَّةِ نَفسِهِ.

ومن جِهَةِ النَّظرِ، قد عَلِمنا أنَّ الطَّلاقَ ليس من الأعمالِ التي يُتقَرَّبُ بها إلى الله عزَّ وجلَّ، فلا تَقعُ إلّا على حسَبِ سُنَّتِها، وإنَّما هُو زَوالُ عِصْمةٍ (٤) فيها


(١) الضبط من الأصل.
(٢) في م: "القضية".
(٣) في م: "بذلك الطلاق" بدل: "بتلك الطلقة".
(٤) كتب ناسخ د ٤ في المتن: "عصمته"، ثم كتب في الحاشية: "لعله: عصمة".

<<  <  ج: ص:  >  >>