للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خوفًا أن تَدْعوهُ الشَّهوةُ إلى الوَطْءِ في حَيْضِها، وهي عِندي زيادةٌ مُنكرةٌ، وحسبُهُ أنَّهُ قد أخرَجَها من العِدَّةِ بقولِهِ: فقد بانَتْ من زوجِها. وإذا خَرَجت من العِدَّةِ، فالنِّكاحُ لها مُباحٌ في الأُصُولِ كلِّها.

وأمّا حُجَّةُ من احتجَّ بأنَّ الله (١) قال: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] فوجَبَ أن تكون ثلاثةً كامِلةً. وقال في قولِهِ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] فجائزٌ أن تكونَ شَهْرينِ، وبعضَ الثّالثِ. وفرَّقَ بين ذلك بذِكرِ العَدَدِ.

فلا وجهَ لِما قال؛ لأنَّ المُبتَغَى من الأقراءِ، ما تَبْرأُ به الرَّحِمُ، وهُو خُرُوجُ المرأةِ من الطُّهرِ إلى الدَّم، فذلكَ الوَقتُ هُو المُبتَغَى والمُراعَى، وقد حصَلَ منهُ ثلاثةُ أوقاتٍ كامِلةٍ بدُخُولِها في الدَّم من الحَيْضةِ الثّالثةِ.

ودليلٌ آخَرُ، وهُو أنَّ الطُّهرَ مُذكَّرٌ، فهُو أشْبَهُ بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} لإدخالِهِ الهاءَ في {ثَلَاثَةَ} وهي لا تدخُلُ إلّا في العَددِ المُذكَّرِ، والحَيْضةُ مُؤَنَّثةٌ، فلو أرادها، لقال: ثلاثَ قُرُوءٍ.

وقدِ احتجَّ أصحابُنا بهذا، وهذا عِندي ليسَ بشيءٍ؛ لأنَّ التَّذكير في العَدَدِ إنَّما جاءَ على لفظِ القُرءِ، وهي مُذَكّرةٌ.

وأمّا احتِجاجُهُم بقولِهِ -صلى الله عليه وسلم- للمُستحاضةِ: "اقعُدي أيامَ أقْرائكِ، وانظُري إذا أتاكِ قُرؤُكِ، فلا تُصلِّي" (٢) ونحوِ هذا، فليس فيه حُجَّةٌ؛ لأنَّ الحيضَ قد يُسمَّى قُرءًا، ولسنا نُنازِعُهُم في ذلك، ولكِنّا نُنازِعُهُم أن يكونَ اللهُ عزَّ وجلَّ أرادهُ بقولِهِ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨].


(١) لفظ الجلالة لم يرد في الأصل، ف ٣، وهو ثابت في ظا. وعبارة د ٤: "بأنْ قال له"، ولعل صوابها: بأن قال الله.
(٢) سلف تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>