على أنَّ هذا الحديثَ قد ضعَّفهُ أهلُ العِلم؛ لأنَّهُ يُروى عن عائشةَ، وعائشةُ لم يُختَلَفْ عنها في أنَّ الأقراءَ: الأطهارُ، فيَبعُدُ عن عائشةَ أن ترويَ عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قال للمُسْتحاضةِ:"دعي الصَّلاةَ أيام أقرائكِ"، وتقول: الأقراءُ الأطهارُ. فإن صحَّ عن عائشةَ، فهُو حُجَّةٌ عليهم؛ لأنَّ عائشةَ تكونُ حِينَئذٍ أخْبَرت بأنَّ القُرءَ الذي يَمْنعُ من الصَّلاةِ، ليسَ هُو القُرءَ الذي تَعتدُّ به من الطَّلاقِ، وكَفَى بتفرِقةِ عائشةَ بين هذين حُجَّةً.
وأمّا حديثُ فاطِمةَ ابنةِ أبي حُبيشٍ، فلم يذكُر فيه هشامُ بن عُروةَ من رِوايةِ مالكٍ، وغيرِهِ: القُرءَ، إنَّما قال فيه:"إذا أقْبَلتِ الحَيْضةُ، فدَعِي الصَّلاةَ"(١)، لم يقُل: إذا أتاكِ قُرؤُكِ.
وهشامٌ أحفظُ من الذي خالَفهُ في ذلك، ولو صحَّ، كان الوجهُ فيه ما ذكَرْنا عن عائشةَ، والله أعلمُ.
وقد أجمعُوا على أنَّ الطَّلاقَ للعِدَّةِ: أن يُطلِّقَها طاهِرًا من غيرِ جِماع، لا حائضًا.
وأجمعُوا على أنَّ كلَّ مُعتدَّةٍ من طلاقٍ، أو وفاةٍ، تُحْسَبُ عِدَّتُها من ساعةِ طلاقِها، أو وفاةِ زَوْجِها.
وذلكَ دليلٌ على أنَّ الأقراءَ: الأطهارُ لا المَحِيض؛ لأنَّ القائلينَ بأنَّها المَحِيض، يقولُونَ: إنَّها لا تعتدُّ إلّا بالحَيْضةِ المُقبِلةِ بعدَ الطُّهرِ الذي طُلِّقت فيه، فجَعلُوا عليها ثلاثةَ قُرُوءٍ وشيئًا آخرَ، وذلكَ خِلافُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ويلزَمُهُم أن يقولُوا: إنَّها قبلَ الحيضةِ في غيرِ عِدَّةٍ.
وحسبُك بهذا خِلافًا، لظاهرِ قولِ الله عزَّ وجلَّ:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: ١]، ولِقولِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "فتلكَ العِدَّةُ التي أمَرَ اللهُ أن يُطلَّقَ لها النِّساءُ".