للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا حُجَّتُهُم بأنَّ أُمَّ الولدِ عِدَّتُها حَيْضةٌ بإجماع، وأنَّها لا يحِلُّ لها النِّكاحُ حتّى تَطْهُرَ من حَيْضتِها، وذلكَ دليلٌ على أنَّ القُرءَ الحَيْضةُ، فليسَ هُو كما ظنُّوا، وجائزٌ لها عندَنا أن تَنكِحَ إذا دَخَلت في الحَيْضةِ واسْتَيقنت أنَّ دَمَها دَمُ حيض.

وقد قال هذا إسماعيلُ بن إسحاق ليَحْيى بن أكثَمَ، حينَ أدخَلَ عليه في مُناظرتِهِ إيّاهُ ما أدخَلَهُ محمدُ بن الحسنِ على مُناظرهِ (١) عن أهلِ المدينةِ في كِتابِهِ، فقال لهُ: أتحِلُّ أُمُّ الولَدِ للأزواج، إذا دخلت في الدَّم من الحَيْضةِ؟ فقال لهُ إسماعيلُ: نعَمْ تحِلُّ للأزواج؛ لأنَّ ظُهُورَ الدَّم براءةٌ لرحِمِها في الأغْلَبِ المعمُولِ به.

قال أبو عُمر: الأصلُ في هذا البابِ، والمُعتَمدُ عليه فيه، حديثُ ابن عُمرَ، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، في قولِهِ: "فإذا طَهُرَتْ، فإنْ شاءَ طلَّقَ، وإن شاءَ أمسكَ" لم يخُصَّ أوَّلَ الطُّهرِ من آخِرِهِ. ولو كان بينهُما فرقٌ لبَيَّنهُ؛ لأنَّهُ المُبيِّنُ عن الله مُرادهُ، وقد بلَّغَ، وما كتَمَ -صلى الله عليه وسلم-.

قرأتُ على عبدِ الوارثِ بن سُفيانَ، أنَّ قاسمَ بن أصبغَ حدَّثهُم، قال: حدَّثنا محمدُ بن عبدِ السَّلام، قال: حدَّثنا محمدُ بن المُثنَّى، قال: حدَّثنا مُؤَمَّلُ بن إسماعيلَ، قال: حدَّثنا سُفيانُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، عن عَلْقمةَ: أنَّ ابنَ عُمرَ طلَّقَ امرأتَهُ وهي حائضٌ، فسألَ عُمرُ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلكَ، فقال: "مُرهُ فليُراجِعْها حتّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تحيضَ، ثُمَّ تطهُرَ، فإن شاءَ طلَّقَ، وإن شاءَ أمسكَ".

قال أبو عُمر: لم يُذكَرْ في هذا الحديثِ: قبلَ أن يَمسَّ. وذكَرهُ مالكٌ وغيرُهُ.

وهُو الذي لا بُدَّ منهُ، ذُكِرَ أو سُكِتَ عنهُ، وهذا أمرٌ مُجتمَعٌ عليه، يُغني عن الكلام فيه، وبالله العِصْمةُ والهُدى والتَّوفيقُ.


(١) في د ٤: "مناظرته".

<<  <  ج: ص:  >  >>