قال أبو عُمر: من لم يرَ على اللّابِسِ النّاسي والجاهِلِ شيئًا، اسْتَدلَّ بحديثِ يعلَى بن أُميَّةَ، في الأعْرابيِّ الذي أحرمَ وعليه جُبَّةٌ وصُفْرةُ خلُوقٍ، فأمَرهُ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بنَزْع الجُبَّةِ، وغَسْلِ الخَلُوقِ، ولم يأمُرهُ بفِديةٍ.
وقد ذكَرْنا هذا الخبَرَ وأحكامَهُ، في بابِ حُميدِ بن قَيْسٍ، من كِتابِنا هذا.
ومن أوجَبَ الفِدْيةَ على النّاسي وغيرِهِ، فحُجَّتُهُ: أنَّ الفِدْيةَ إنَّما وَرَدت فيمَنْ فعَلَها من ضرُورةٍ.
وذلك محفُوظٌ في قِصَّةِ كَعْبِ بن عُجْرةَ، فالضَّرُورةُ، وغيرُ الضَّرُورةِ، والنِّسيانُ وغيرُهُ، في ذلك سواءٌ؛ لأنَّهُ إذا وجبَتْ على من فعَلَ ذلك من ضرُورةٍ، فأحْرَى أن تجِبَ على من فعلَ ذلك من غيرِ ضَرُورةٍ، والنّاسي قياسٌ على المُضطرِّ، والعامِدُ أحْرَى بذلك وأوْلَى.
واختلفُوا فيمَنْ لبِسَ، أو تطيَّب في مَواطِنَ:
فقال مالكٌ (١): إن لبِسَ القميصَ والسَّراويلَ والعِمامةَ والقَلَنسُوةَ، وما أشبَهَ ذلك من الثِّياب في فَوْرٍ واحدٍ، وكانت حاجتُهُ إلى ذلكَ كلِّهِ في فَوْرٍ واحدٍ، فعليه كفّارةٌ واحدةٌ وكذلك إن تطيَّبَ مِرارًا في مَوْطِنٍ واحدٍ، وفَوْرٍ واحدٍ، فعليه فِدْيةٌ واحدةٌ، وإن كان ذلك في أحْوالٍ مختلِفةٍ، فعليه لكلِّ مرَّةٍ فِدْيةٌ.
وبه قال أبو حَنِيفةَ، والثَّوريُّ، واللَّيْثُ، وهُو أحدُ قوليِ الشّافِعيِّ.
وقال محمدُ بن الحسنِ، والأوزاعيُّ، وهُو أحدُ قوليِ الشّافِعيِّ أيضًا: ليسَ عليه إلّا كفّارةٌ واحدةٌ، ما لم يُكفِّر، فإن كفَّر، ثُمَّ صنَعَ شيئًا من ذلك، فعليه كفّارةٌ أُخرى.
وقد رُوي عن مالكٍ: أنَّهُ عليه في كلِّ ما يَلْبسُ أو يتطيَّبُ فِدْيةٌ بعدَ فِدْيةٍ أبدًا.