للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا قولُهُم: لبَّيكَ إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لكَ فيُروَى بفتح الهمزةِ وكسرِها، وكان أحمدُ بن يحيى ثعلبٌ يقولُ: الكَسْرُ في ذلك أحَبُّ إليَّ؛ لأنَّ الذي يكسِرُها يذهبُ إلى أنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لكَ على كلِّ حالٍ، والذي يفتحُ يذهبُ إلى أنَّ المعنى لبَّيكَ، لأنَّ الحمدَ لك، أي: لبَّيكَ لهذا السَّببِ.

قال أبو عُمر: المعنى عِندي واحدٌ، لأنَّهُ يحتمِلُ أن يكونَ من فتَحَ الهمزةَ أرادَ لبَّيكَ، لأنَّ الحمدَ لكَ على كلِّ حالٍ، والمُلكَ لكَ والنِّعمةَ، وحدَكَ دُونَ غيرِكَ حَقِيقةً، لا شريكَ لكَ.

واسْتَحبَّ الجميعُ أن يكونَ ابتِداءُ المُحْرِم بالتَّلبيةِ بإثْرِ صَلاةٍ يُصلِّيها: نافِلةٍ، أو فَريضةٍ من مِيقاتِهِ، إذا كانت صلاةً لا يُتَنفَّلُ بعدَها، فإن كان في غيرِ وقتِ صلاةٍ، لم يَبْرَحْ حتّى يحِلَّ وَقْتُ صلاةٍ فيُصلِّي، ثُمَّ يُحرِمَ إذا اسْتَوت به راحِلتُهُ، وإن كان مِمَّن يَمْشي، فإذا خرجَ من المسجدِ أحرمَ.

وقال أهلُ العِلم بتأويلِ القُرآنِ، في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: ١٩٧] قالوا: الفَرْضُ: التَّلبيةُ. كذلك قال عَطاءٌ، وعِكْرِمةُ وطاوُوسٌ، وغيرُهُم (١).

وقال ابنُ عبّاسٍ: الفرضُ: الإهلالُ (٢).

وهُو ذلكَ بعينِهِ، والإهلالُ: التَّلبيةُ.

وقد ذكَرْنا معنى الإهلالِ في اللُّغةِ، في باب موسى بن عُقبةَ من كِتابِنا هذا، بما يُغني عن إعادتِهِ هاهُنا، وذكَرْنا هُناكَ مسأَلةً من مَعاني هذا البابِ، يجِبُ الوُقُوفُ عليها.


(١) انظر: تفسير سفيان، ص ٦٣، ومصنف ابن أبي شيبة (١٣٨١٩) و (١٣٨٢٢)، وتفسير الطبري ٤/ ١٢١ - ١٢٢ (٣٥٥٥، ٣٥٦١)، وتفسير ابن أبي حاتم ١/ ٣٤٦.
(٢) انظر: تفسير الطبري ٤/ ١٢٣ (٣٥٦٨)، وتفسير ابن أبي حاتم ١/ ٣٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>