للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: أحرَمَ عبدُ الله بن عُمرَ من بيتِ المقدِسِ عامَ الحَكَمينِ، وذلك أنَّهُ شهِدَ التَّحكيمَ بدُومةِ الجَنْدل، فلمّا افترَقَ عَمرُو بن العاصِ وأبو موسى الأشعريُّ عن غيرِ اتِّفاقٍ، نهضَ إلى بيتِ المقدِسِ، ثُمَّ أحرمَ منها بعُمرة (١).

ومن أقوَى الحُجج لِما ذهَبَ إليه مالكٌ في هذه المسألة: أنَّ رسُولَ الله -صلي الله عليه وسلم- لم يُحرِمْ من بَيْتِهِ بحجَّتِهِ، وأحرمَ من ميقاتِهِ الذي وقَّتهُ لأُمَّتِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وما فعلَهُ فهُو الأفْضَلُ إن شاءَ الله.

وكذلكَ صنَعَ جُمهُورُ الصَّحابةِ والتّابِعينَ بعدَهُم، كانوا يُحرِمُونَ من مَواقيتِهِم (٢).

ومن حُجَّةِ من رأى الإحرامَ من بييهِ أفضَلَ، قولُ عائشةَ: ما خُيِّر رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بينَ أمرينِ، إلّا اختارَ أيسَرَهُما، ما لم يَكُن إثمًا، فإن كان إثمًا، كان أبعدَ النّاسِ منهُ (٣).

ومن حُجَّتِهِم أيضًا: أنَّ عليَّ بن أبي طالب، وعبدَ الله بنَ مسعُودٍ، وعِمرانَ بن حُصَينٍ، وابنَ عُمرَ، وابنَ عبّاسٍ، أحرَمُوا من المواضِع البَعِيدةِ، وهُم فُقهاءُ الصَّحابةِ، وقد شَهِدُوا إحرامَ رسُولِ الله -صلي الله عليه وسلم- في حَجَّتِهِ من ميقاتِهِ، وعَرفُوا مغزاهُ ومُرادَهُ، وعَلِمُوا أنَّ إحْرامَهُ من ميقاتِهِ كان تيسيرًا على أُمَّتِهِ -صلى الله عليه وسلم-.

ومن حُجَّتِهِم أيضًا: ما حدَّثناهُ عبدُ الله بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (٤): حدَّثنا أحمدُ بن صالح، قال: حدَّثنا ابنُ أبي فُديك،


(١) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (١٢٦٧٤).
(٢) انظر: اختلاف الفقهاء للمروزي، ص ٣٩٩، ومختصر اختلاف العلماء ٢/ ٦٢.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٤٨٦ (٢٦٢٧).
(٤) في سننه (١٧٤١). ومن طريقه أخرجه البيهقي في الكبرى ٥/ ٣٠. وأخرجه البخاري في تاريخه ١/ ١٦١، وأبو يعلى (٦٩٢٧)، والطبراني في الأوسط ٦/ ٣١٩ (٦٥١٥) من طريق =

<<  <  ج: ص:  >  >>