للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابنُ وَهْب: سُئلَ مالكٌ عن البَعُوضِ والبَراغيثِ يَقْتُلُها المُحرِمُ: أعليه كفّارةٌ؟ فقال: إنِّي أُحِبُّ ذلك.

قال: وقال مالكٌ: لا يَصْلُحُ للمُحرِم أن يَقتُلَ قَمْلةً، ولا يَطْرحَها من رأسِهِ إلى الأرْضِ، ولا من جِلْلِإِ، ولا من بَدَنِهِ، فإن قتَلَها، أو ألقاها، أطعمَ قَبْضةً من طعام.

قال: وقال لي مالكٌ: يُلقِي المُحرِمُ القُرادَ عن نفسِهِ.

قال: وقال لي في مُحرِم لَدَغتهُ دَبْرةٌ (١) فقتَلها وهُو لا يشعُرُ، قال: أرى أن يُطعِمَ شيئًا، فقلتُ لمالكٍ: أفرأيتَ النَّملةَ؟ قال: كذلك أيضًا.

فهذه جُملةُ قولِ مالكٍ في هذا البابِ، فتدبَّرْها.

وجُملةُ مذهَبِهِ عندَ أصحابِهِ في هذا البابِ: أنَّ المُحرِمَ لا يُقرِّدُ بَعِيرَهُ، ولا يطرَحُ عنهُ شيئَّاَ من دوابِّهِ، فإن طرحَ عن البعيرِ قُرادًا: أطعمَ، ولا بأسَ عليه أن يرميَ عن نَفسِهِ القُراد؛ لأنَّها ليسَت من دوابِّ بَني آدمَ، ولا يَطْرحُ عن نَفسِهِ قَمْلةً؛ لأنَّها منهُ، وجائزٌ أن يطرحَ عن نَفسِهِ جميعَ دوابِّ الأرضِ، مِثلَ: الحَلَمةِ، والحَمْنانِ، والنَّملةِ، والذَّرَّةِ، والبُرغُوثِ، ولا يقتُلُ شيئًا من ذلكَ، فإن قتلَ منهُ شيئًا أطعمَ، وجائزٌ أن يطرحَ المُحرِمُ عن دابَّتِهِ العَلَقةَ (٢)؛ لأنَّها لَيْسَت من دوابِّها المُتَخلِّقةِ منها (٣)، فهذا أصلُ مَذْهبِهِ.

وقال أبو حَنِيفةَ: لا يقتُلُ المُحرِمُ من السِّباع إلّا الكَلْبَ والذِّئبَ خاصَّةً، ويقتُلُهُما ابتدآهُ أوِ ابتدأهُما، لا شيءَ عليه في قَتْلِهِما، وإن قتَلَ غيرَهُما من السِّباع


(١) الدبرة: النحلة. انظر: لسان العرب ٤/ ٢٧٥.
(٢) العلقة: دُويدة حمراء تكون في الماء، تعلق بالبدن وتمص الدم، وهي من أدوية الحلق والأورام الدموية، لامتصاصها الدم الغالب على الإنسان. انظر: لسان العرب ١٠/ ٢٦٧ - ٢٦٨.
(٣) في الأصل، ف ٣، م: "فيها".

<<  <  ج: ص:  >  >>