للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فداهُ. قال: وإن ابتدَأهُ غيرُهُما من السِّباع فقَتَلهُ، فلا شيءَ عليه، وإن لم يَبْتدِئهُ، فداهُ إن قتلهُ. قال: ولا شيء عليه في قتلِ الحيَّة والعَقْربِ والحِدَأة (١).

هذه جُملةُ قول (٢) أبي حَنِيفةَ وأصحابِهِ إلّا زُفَر.

وقال زُفَرُ: لا يَقتُلُ إلّا الذِّئبَ وحدَهُ، ومن قتَلَ غيرَهُ وهُو مُحرِمٌ، فعليه الفِديةُ، ابتدأهُ أو لم يبتدِئْهُ.

وقولُ الأوزاعيِّ، والثَّوريِّ، والحسن بن حيٍّ، نحوُ قولِ أبي حنيفةَ.

قال الثَّوريُّ: المُحرِمُ يقتُلُ الكَلْبَ العَقُور. قال: وما عَدا عليكَ من السِّباع فاقتُلْهُ، وليسَ عليكَ كفّارةٌ. قال: ويقتُلُ المُحرِمُ الحِدَأةَ والعَقْربَ.

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُهُ، في كلِّ ذي مخِلبٍ من الطَّيرِ: إن قتَلَهُ المُحرِمُ من غيرِ أن يَبْتدِئَهُ، فعليه جَزاؤُهُ، وإن ابتدَأهُ الطَّيرُ، فلا شيءَ عليه. وقالوا: وإن قتلَ المُحرِمُ الذُّبابَ، والنَّملةَ (٣)، والبقَّةَ، والحَلَمةَ، والقُرادَ، فليسَ عليه شيءٌ. قالوا: ويُكرَهُ قَتْلُ القَمْل، فإن قتَلَها، فكلُّ شيءٍ تصدَّق به، فهُو خيرٌ منها.

قال أبو عُمر: قدِ احتجَّ مالكٌ رحِمهُ الله لنَفسِهِ في هذا البابِ في بعضِ مسائلِهِ، واحتجَّ لهُ إسماعيلُ أيضًا بما ذكَرْنا، وجُملةُ الحُجَّةِ لمذهبِهِ ومذهبِ العِراقيِّين أيضًا في ذلك، عُمُومُ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦]، فكلُّ وَحْشيٍّ من الطَّيرِ أوِ الدَّوابِّ عندهُم صيدٌ، وقد خَصَّ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- دوابَّ بأعيانِها وأرخصَ للمُحرِم في قَتْلِها من أجلِ ضَررِها، فلا وجهَ أن يُزادَ عليها، إلّا أن يُجمِعُوا على شيءٍ، فيدخُلَ في معناها.


(١) انظر: الأصل لمحمد بن الحسن ٢/ ٤٤٥، واختلاف الفقهاء للمروزي، ص ٤١٥، والإشراف ٣/ ٢٥٣ - ٢٥٢، ومختصر اختلاف العلماء ٢/ ١٢١ - ١٢٢. وانظر فيها ما بعده.
(٢) هذا الحرف سقط من م.
(٣) في الأصل، ف ٣، م: "والقملة".

<<  <  ج: ص:  >  >>