للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه حُجَّةُ أبي ثورٍ، ومن ذهبَ مذهبَهُ، في أنَّ المُحرِمَ إذا حبَسهُ المرضُ والكسرُ (١)، عن البَيتِ: حلَّ، ولا شيءَ عليه من هَدْي، ولا غير إلى القضاءِ في العام المُقبِل.

ومِن الحُجَّةِ عليه لسائرِ العُلماءِ، الذين أوجَبُوا عليه الهديَ، ولم يُجيزُوا لهُ أن يحِلَّ ويحلِقَ حتّى ينحَرَ الهَدْيَ: القياسُ على حصرِ العدُوِّ؛ لأنَّهُ كلَّهُ مَنْعٌ عن الوُصُولِ إلى البيتِ (٢)، لقولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] [البقرة: ١٩٦]، فلمّا أمرَ اللهُ المُحصَرَ بأنْ لا يحلِقَ رأسَهُ، حتّى يبلُغَ الهديُ محِلَّهُ، عُلِي بذلكَ أنَّهُ لا يحِلُّ المُحصَرُ من إحرامِهِ، إلّا إذا حلَّ لهُ حَلْقُ رأسِهِ، ولا يحِلّ لهُ ذلك، حتّى ينحَرَ الهدي.

واستدلُّوا بفِعلِ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- يومَ الحُديبيةِ، أنَّهُ لم يحلِقْ رأسَهُ حتّى نحرَ، ولم يحِلَّ حتّى نحَرَ الهَدْي.

أخبرنا خلفُ بن القاسم، قال: حدَّثنا عبدُ الله بن جَعْفرِ بن الوَردِ، قال: حدَّثنا يحيى بن أيُّوب بن بادِي، قال: حدَّثنا يحيى بن عبدِ الله بن بُكيرٍ، قال: حدَّثني ميمُونُ بن يحيى، عن مَخْرمةَ بن بُكَيرٍ، عن أبيهِ، قال: سمِعتُ نافعًا مولى ابن عُمرَ يقولُ: إذا عرَضَ للمُحرِم عدُوٌّ، فإنَّهُ يحِلُّ حينئذٍ، وقد فعلَ ذلك رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، حَبَسهُ كُفّارُ قُريشٍ في عُمْرِة عن البيتِ، فنحَرَ هديَهُ وحلَقَ وحلَّ هُو وأصحابُهُ، ثُمَّ رَجعُوا حتّى اعْتَمرُوا من العام المُقبِل (٣).

قالوا: ومَعنَى قولِ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في حَديثِ الحجّاج بن عَمرٍو: "من كُسِرَ، أو عرِجَ فقد حلَّ"، أي: فقد حلَّ لهُ أن يحِلَّ بما يحِلُّ به المُحصَرُ، من


(١) في م: "أو الكسر".
(٢) عبارة د ٤: "حصر العدو والامتناع عن الدخول إلى البيت".
(٣) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٢/ ١٤٩، من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>