للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّحرِ أوِ الذَّبح، لا أنَّهُ قد حلَّ بذلكَ من إحرامِهِ. قالوا: وإنَّما هذا مِثلُ قولِهِم: قد حلَّت فُلانةُ للرِّجالِ: إذا انقضت عِدَّتُها، والمعنى في ذلك أنَّها تحِلُّ لهم بما يجِبُ أن تحِلَّ به من الصَّداقِ وغير من شُرُوطِ النِّكاح.

قال أبو عُمر: لم يختلِفِ العُلماءُ فيمَنْ كُسِرَ، أو عرِجَ، أنَّهُ يحِلُّ، ولكِن اختَلفُوا فيما به يحِلُّ، فقول مالك: إنَّهُ يحِلُّ بالطَّوافِ بالبيتِ، لا يحِلُّهُ غيرُهُ (١).

ومن خالَفَ مالكًا في ذلك من الكُوفيِّينَ، يقولُ: يحِلُّ بالنِّيَّةَ، وفِعلِ ما يُتحلَّلُ به. على ما وَصَفنا عنهُم، وأبو ثورٍ يقولُ بظاهِرِ حديثِ الحجّاج بن عَمرٍو (٢)، على ما ذَكَرنا عنهُ، ولم يَقُل أحدٌ: إنه بنَفسِ الكَسْرِ يكونُ حلالًا، غيرُ أبي ثورٍ، وتابَعهُ داودُ، وبعضُ أصحابِهِ.

قمال أبو عُمر: من زعمَ أنَّ على المُحصرِ بعُمْرةٍ قَضاءَ عُمرتِهِ التي صُدَّ فيها عن البيتِ، بعدُوٍّ كان حصرهُ، أو بغيرِ عدُوٍّ، زعمَ أنَّ اعتِمارَ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابِهِ في العام المُقبِلِ من عام الحُديبيةِ، إنَّما كان قَضاءً لتلكَ العُمرةِ. قالوا: ولذلكَ قيلَ (٣) لها: عُمرةُ القَضاءِ. واسْتَدلُّوا بقولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "من كُسِرَ، أو عرِج فقد حلَّ، وعليه حجَّةٌ أُخرَى، أو عُمرةٌ أُخرَى".

ومن زعَمَ أنَّ المُحصَرَ بعدُوٍّ، يَنْحرُ هديَهُ، ويحلِقُ رأسَهُ، وقد حَلَّ بفِعلِهِ ذلك من كلِّ شيءٍ، ولا شيءَ عليه، احتجَّ بأنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لم يَقُل لأحدٍ منهُم: عليكُم قَضاءُ هذه العُمرةِ، ولا حُفِظَ ذلك عنهُ بوَجهٍ من الوُجُوهِ، ولا قال في العام المُقبِلِ: إنَّ عُمْرتي هذه قَضاءٌ عن العُمرةِ التي حُصِرتُ فيها، ولم يَقُل ذلك عنهُ أحدٌ. قالوا: والعُمرةُ المُسمّاةُ بعُمْرةِ القَضاءِ، هي عُمرةُ القَضيَّةِ عندَنا.


(١) انظر: المدونة ١/ ٣٩٧.
(٢) عبارة د ٤: "بظاهر الحديث" حسبُ.
(٣) في الأصل، د ٤، م: "ما قيل"، والمثبت من بقية النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>