للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمّا أجمعُوا أنَّ من لم يَطُفْ للدُّخُولِ، وطافَ للإفاضَةِ وسَعَى، أنَّهُ يُجزِئُهُ الدَّمُ، كان -بذلكَ معَ فِعْلِ ابن عُمرَ هذا- معلُومًا أنَّ فرضَ الحجِّ طوافٌ واحدٌ، ويُعتَبرُ هذا بالمكِّيِّ أنَّهُ ليسَ عليه إلّا طَوافٌ واحدٌ، وينُوبُ أيضًا عندَ مالكٍ وأصحابِهِ في الحجِّ الطَّوافُ التَّطوُّعُ عن الواجِبِ؛ لأَنَّهُ عملٌ يُعمَلُ في زَمنٍ واحدٍ.

وأمّا سائرُ الفُقهاءِ فطَوافُ الإفاضَةِ يومَ النَّحرِ واجِبٌ عندَهُم فرضًا، لقولِ الله عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] فلم يُوجِبِ الطَّوافَ إلّا بعدَ قَضاءِ التَّفَث، وذلكَ إنَّما يَتِمُّ برَمْيِ جَمْرةِ العَقَبةِ. وقد قال في الشَّعائرِ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣] فجَعَلهُ بعدَها.

قالوا: وأمّا طوافُ الدُّخُولِ، فسُنَّةٌ ساقِطةٌ عن المكِّيِّ والمُراهِقِ، كسُقُوطِ طَوافِ الوَداع عن الحائضِ.

وفي هذا الحديثِ أيضًا حُجَّة لمالكٍ ومن قال بقولِهِ -في القارِنِ-: أنَّهُ يُجزِئُهُ طَوافٌ واحدٌ لحجِّهِ وعُمرتِهِ. وهذا موضِع اختلَفَ فيه العُلماءُ قديمًا وحديثًا، وقد ذكَرْناهُ في بابِ ابن شِهاب، عن عُروةَ، ونُعيدُ منهُ هاهُنا طَرَفًا كافيًا بعونِ الله.

قال مالكٌ (١): من أهلَّ بحجَّةٍ وعُمْرةٍ، أو أدخَلَ الحجَّ على العُمرةِ، طافَ لهما طوافًا واحدًا بالبيتِ (٢)، وسَعَى لهما بينَ الصَّفا والمروةِ سعيًا واحدًا.

وهُو قولُ الشّافِعيِّ، وبه قال أحمدُ بن حَنْبل، وإسحاقُ، وأبو ثورٍ.

والحُجَّةُ لمن ذهَبَ هذا المذهبَ، حديثُ مالك (٣)، عن ابن شِهاب، عن عُروةَ، عن عائشةَ ... الحديثَ، قالت: وأمّا الذينَ أهلُّوا بالحجِّ، أو جَمعُوا الحجَّ،


(١) انظر: المدونة ١/ ٤٢١.
(٢) قوله: "بالبيت، وسعى لهما بين الصفا والمروة سعيًا واحدًا" سقط كلّه من د ٤، قفز نظر.
(٣) أخرجه في الموطأ ١/ ٥٤٨ (١٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>