للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله (١): ثم نفَذَ حتى جاء البيتَ، فطاف به طوافًا واحدًا، ورأى أنه مُجزئٌ، دليلٌ واضح على أنّ الحاجَّ قارنًا كان أو غيرَ قارن، ليس عليه إلّا طوافٌ واحد، يقضي به فَرْضَه، فإن شاء جَعَله عندَ الدخول، ووَصَله بالسعي، وإن شاء جَعَله يومَ النحر، ووَصَله أيضًا بالسعي، وأنّ الإتيانَ بالطّوافَيْنِ جميعًا كمال، واتّباعٌ للسُّنّة، لا أنّ في الحجِّ طوافَيْنِ واجبَيْنِ فرضًا.

ويبيِّنُ لك ما قلتُ: ما قد مضَى ذكرُه في هذا الباب، في حديث الدّراوَرْدي، عن ابن عمر: أنه لم يزدْ على ذلك الطواف.

وهذا التوجيهُ يَخرُجُ على مذهب مالك وأكثر أصحابه فيمن لم يطُفْ للإفاضة، يومَ النَّحر، أو طافَه على غير وضوء ثم لم يذكُرْ حتى بَعُد جدًّا، أو بَلَغ بلدَه، أنه يُهدي، ويُجزئُه الطوافُ الأول الموصولُ بالسعي. وقالت طائفةٌ من أصحاب مالك وغيرُهم من الفقهاء: إنه ينصرفُ إليه من بلاده، إلّا أن يكونَ طافَ بعدَ رَمْي جمرة العقَبة تطوعًا، أو وَدَّع البيتَ، فإنه إنْ فَعَل ذلك أجْزأَ عنه، ويستحبُّونَ له معَ ذلك الهَدْيَ، ويُجزئُ عندَهم من عَمَل الحجِّ، التطوّعُ عن الواجب.

وفيما ذكَرْنا في هذا الباب من حُجّة العراقيِّينَ والمدنيِّين ما تقومُ به (٢) الحُجّةُ لكلا الوجهَيْن، وفي سقوطِ الطواف الواحد عن المكيِّ، ما يشهدُ لما وَجّهناهُ أولًا، وقد يحتجُّ بذلك مَن أوْجَبَ طوافَ الإفاضة دونَ غيرِه. وهذه جملة يأتي بَسْطُها والاحتجاجُ بوجوهِها في غير هذا الموضع إن شاء الله.

قال أبو عُمر: أمّا الأحاديثُ عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الحجِّ، ففي تهذيبِها وتَلْخيصِها وتمهيدِها ما يحتمِلُ أن يُفرَدَ لها كِتابٌ كبيرٌ لا يُذكَرُ فيه غيرُ ذلك، ولا سبيلَ إلى


(١) من هنا إلى نهاية الفقرة من د ٤، ولم يرد في الأصل، ولعله سقط منه.
(٢) في د ٤: "منه".

<<  <  ج: ص:  >  >>