للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُمارةَ بن القَعْقاع، عن أبي زُرْعةَ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-،

فذكرهُ بمعناه.

فقد ثبتَ أنَّ ذلك كان عامَ الحُدَيبيةِ حينَ حُصِرَ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- ومُنِعَ من النُّهُوضِ إلى البيتِ، وصُدَّ عنهُ.

وهذا مَوْضِعٌ اختلَف فيه العُلماءُ، فقال منهُم قائلُونَ: إذا نحَرَ المُحصَرُ هَدْيَهُ، فليسَ عليه أن يحلِقَ رأسهُ؛ لأنَّهُ قد ذهبَ عنهُ النُّسُكُ كلُّهُ.

واحتجُّوا بأنَّهُ لمّا سقَطَ عنهُ بالإحصارِ جميعُ المناسِكِ، كالطَّوافِ بالبيتِ، والسَّعيِ بين الصَّفا والمرور، وذلك مِمّا يحِلّ به المُحرِمُ من إحرامِهِ، لأنَّهُ إذا طافَ بالبيتِ، حلَّ لهُ أن يحلِقَ، فيحِلّ لهُ بذلكَ الطِّيبُ واللِّباسُ، فلمّا سقطَ عنهُ ذلك كلُّهُ بالإحصارِ، سقطَ عنهُ سائرُ ما يحِلُّ به المُحرِمُ، من أجلِ أَنَّهُ محُصرٌ.

ومِمَّن قال بهذا القولِ، واحتجَّ بهذه الحُجَّةِ: أبو حنيفةَ، ومحمدُ بن الحسنِ، قالا: ليسَ على المُحصَرِ تقصيرٌ ولا حِلاقٌ (١).

وقال أبو يوسُف: يحلِقُ المُحصَرُ، فإن لم يحلِقْ، فلا شيءَ عليه.

وخالفهُما آخرُونَ، فقالوا: يحلِقُ المُحصَرُ رأسَهُ بعدَ أن ينحرَ هَدْيَهُ، وذلكَ واجِب عليه، كما يجِبُ على الحاجِّ والمُعتمِرِ سواءً.

ومن الحُجَّةِ لهم: أنَّ الطَّوافَ بالبيتِ، والسَّعيَ بين الصَّفا والمرور، ورَمْيَ الجِمارِ، قد مُنِعَ من ذلك كلِّهِ المُحصَرُ، وقد صُدَّ عنهُ، فسقَطَ عنهُ ما قد حيلَ بينهُ وبينهُ، وأمّا الحِلاقُ، فلم يُحَلْ بَيْنهُ وبينهُ، وهُو قادِر على أن يفعلَهُ، وما كان قادِرًا على أن يَفْعلَهُ فهو غيرُ ساقِطٍ عنهُ، وإنَّما يسقُطُ عنهُ ما حِيلَ بينهُ وبين عَملِهِ.

وقد رُوي عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديثِ المذكُورِ في هذا البابِ، ما يَدُلُّ على


(١) انظر: مختصر اختلاف العلماء ٢/ ١٩٠، وشرح مختصر الطحاوي للجصاص ٢/ ٥٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>