قال أبو عُمر: الحُجَّةُ لمن كرِهَ ذلك، قولُ الله عزَّ وجلَّ:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[التوبة: ٢٨]، وقولُ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَمَسَّ القُرآنَ إلّا طاهِرٌ"(١).
ومعلُومٌ أنَّ من تَنْزيهِ القُرآنِ وتَعْظيمِهِ، إبعادَهُ عن الأقْذارِ والنَّجاساتِ، وفي كَوْنِهِ عندَ أهلِ الكُفرِ، تعريضٌ لهُ بذلك وإهانةٌ لهُ، وكلُّهُم أنْجاسٌ لا يَغْتسِلُونَ من جنابةٍ، ولا يَعافُونَ مَيْتةً.
وقد كرِهَ مالكٌ وغيرُهُ أن يُعطَى الكافِرُ دِرْهمًا أو دينارًا فيه سُورةٌ أو آيةٌ من كِتابِ الله.
وما أعلمُ في هذا خِلافًا، إذا كانت آيةً تامَّةً، أو سُورةً، وإنَّما اختَلَفُوا في الدِّينارِ والدِّرهم، إذا كان في أحدِهِما اسمٌ من أسماءِ الله، فأمّا الدَّراهِمُ التي كانت على عَهدِ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم يكُن عليها قُرآنٌ، ولا اسمُ الله، ولا ذِكرٌ؛ لأنَّها كانت من ضَرْبِ الرُّوم وغيرِهِم من أهلِ الكُفرِ، وإنَّما ضُرِبت دراهِمُ الإسلام في أيام عبدِ الملكِ بن مروان.
وذكَرَ أحمدُ بن المُعذَّلِ، عن عبدِ الملكِ بن عبدِ العزيزِ الماجِشُونِ: أَنَّهُ سُئلَ عن الرَّجُلِ يَدخُلُ بالمُصْحَفِ أرضَ العدُوِّ، لِما لهُ في ذلك من اسْتِذكارِ القُرآنِ، والتَّعليم، ولما يخشَى أن يطُولَ به السَّفرُ فيَنْسى. فقال عبدُ الملكِ: لا يُدخَلُ أرضُ العدُوِّ بالمصاحِفِ، لِما يُخشَى من التَّعبُّثِ بالقُرآنِ، والامتِهانِ لهُ، مع أنَّهُم أنجاسٌ، ومع ما جاءَ في ذلك من النَّهيِ الذي لا يَنْبغي أن يُتعَدَّى.
فإن قال قائل: أفَيجُوزُ أن يَكتُبَ المُسلِمُ إلى الكافِرِ كِتابًا فيه آيةٌ من كِتابِ الله؟ قيل لهُ: أمّا إذا دُعِيَ إلى الإسلام، أو كانت ضَرُورةٌ إلى ذلك، فلا بأسَ به،