وهذا أيضًا بيِّنٌ في أنَّ صلاةَ السَّفرِ في الأمْنِ وفي الخَوْفِ سواءٌ، وبذلك جَرَى العملُ والفَتْوَى في أمصارِ المُسلِمين عندَ جُمهُورِ الفُقهاءِ.
وقد يحتمِلُ أن تكون رِوايةُ من رَوَى: أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى بهم رَكْعةً، ولم يقضُوا. أي: في عِلْم من روى ذلك؛ لأنَّهُ قد رَوَى غيرُهُ: أنَّهُم قَضَوْا رَكْعةً في تلكَ الصَّلاةِ بعينِها، وشهادَةُ من زادَ أولى.
ويحتمِلُ أن يكون أرادَ بقولِهِ: لم يَقْضُوا. أي: لم يَقْضُوا إذ أمِنُوا، وتكونُ فائدتُهُ أنَّ الخائفَ إذا أمِنَ، لا يَقْضي ما صلَّى على تلكَ الهيئةِ من الصلواتِ في الخَوْفِ.
وقد يحتمِلُ قولُهُ: صَلَّوا في الخوفِ رَكْعةً. أي: في جماعةٍ معَ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وسكتَ عن الثّانيةِ، لأنَّهُم صلَّوها أفذاذًا.
وحديثُ ابن عبّاسٍ انفردَ به بُكيرُ بن الأخْنَسِ، وليسَ بحُجَّةٍ فيما يَنْفرِدُ به.
والصَّلاةُ أوْلى ما احتيطَ فيه، ومن صلَّى رَكْعتينِ في خوفِهِ وسَفرِهِ، خرجَ من الاختِلافِ إلى اليَقينِ.
ووجهٌ سادِسٌ، وهُو حديثُ أبي بَكْرةَ: أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى بهم في صَلاةَ الخَوْفِ رَكْعتينِ بطائفةٍ، ورَكْعتينِ بطائفةٍ فكانت للنَّبيِّ عليه السَّلامُ أربعٌ، ولكلِّ طائفةٍ رَكْعتانِ. رَواهُ الأشْعَثُ، وغيرُهُ، عن الحَسَنِ، عن أبي بَكْرةَ:
حدَّثنا عبدُ الله بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (١): حدَّثنا عُبيدُ الله بن مُعاذِ بن مُعاذٍ، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا الأشْعَثُ،
(١) في سننه (١٢٤٨). ومن طريقه أخرجه البيهقي في الكبرى ٣/ ٢٦٠. وأخرجه أحمد في مسنده ٣٤/ ٥٠، ١٣٦ (٢٠٤٠٨، ٢٠٤٩٧)، والبزار ٩/ ١١١ (٣٦٥٨)، والنسائي في المجتبى ٢/ ١٠٣، و ٣/ ١٧٩، وفي الكبرى ٢/ ٣٧٥ - ٣٧٦ (١٩٥٢، ١٩٥٦)، وابن حبان ٧/ ١٣٥ (٢٨٨١) من طريق الأشعث، به. وانظر: المسند الجامع ١٥/ ٥٦١ (١١٩٣٢).