للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: هذا القولُ خِلافُ ما عليه جُمهُورُ الفُقهاءِ، وقد يجُوزُ في حُكم لِسانِ العربِ أن يكونَ المسكُوتُ عنهُ، في معنى المذكُورِ، كما يجُوزُ أن يكونَ بخِلافِهِ، وقد بيَّنّا ذلك في مواضِعَ، والحمدُ لله.

ومِمّا يدُلّ على أنَّ صلاةَ السَّفرِ في الخَوْفِ، وفي الأمنِ سَواءٌ، حديثُ ابن عُمرَ، حينَ قال لهُ رجُلٌ من آلِ خالدِ بن أسِيد: يا أبا عبدِ الرَّحمنِ، إنّا نجِدُ صَلاةَ الحَضَرِ، وصلاةَ الخَوْفِ في القُرآنِ، ولا نجِدُ صلاةَ السَّفرِ، يعني في حالِ الأمنِ، فقال: يا ابن أخي، إنَّ اللهَ بعَثَ إلينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ونحنُ لا نعلَمُ شيئًا، فإنَّما نَفْعلُ كما رأيناهُ يَفْعلُ (١). أي: رأيناهُ يَفْعلُ في حالِ الخَوْفِ، وحالِ الأمنِ في السَّفرِ فِعلًا واحدًا، فنحنُ نفعلُ كما كان -صلى الله عليه وسلم- يفعلُ.

وفي ذلك ما يدُلّ على أنَّ مُرادَ الله عزَّ وجلَّ في ذلك من عِبادِهِ واحدٌ ببيانِ السُّنَّةِ في ذلك.

كما صارَ قتلُ الصَّيدِ خَطأً بالسّنَّةِ، يجِبُ فيه من الجَزاءِ، كما يجِبُ على من قتَلَهُ عَمْدًا، مع قولِ الله عزَّ وجلَّ: {الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥].

وقد عجِبَ عُمرُ بن الخطّابِ ويعلَى بن أُميَّةَ من هذا المعنى أيضًا، حينَ قال يعلَى لعُمر: يا أميرَ المُؤمِنين، ما بالنا نَقْصُرُ الصَّلاةَ، وقد أمِنّا، واللّهُ عزَّ وجلَّ يقولُ: {إِنْ خِفْتُمْ}؟ فقال: عجِبتُ مِمّا عجِبتَ منهُ، فسألتُ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال (٢): "تلكَ صَدَقةٌ تصدَّقَ اللهُ بها عليكُم، فاقبَلُوا صَدَقتَهُ" (٣).


(١) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٢٠٩ (٣٨٩).
(٢) زاد هنا في الأصل، ف ٣، م: "تلك".
(٣) سلف باسناده في حديث ابن شهاب، عن رجل من آل خالد بن أسيد، وهو في الموطأ ١/ ٢٠٩ (٣٨٩). وانظر تخريجه هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>