للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: هذه جُملةُ ما احتجَّ به القائلُونَ بأنْ لا تُصلَّى صَلاةُ الخوفِ بإمام واحدٍ لطائفتين، بعدَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.

ومِن الحُجَّةِ عليهم لسائرِ العُلماءِ، أنَّهُ لمّا كان قولُ الله عزَّ وجلَّ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] لا يُوجِبُ الاقتِصارَ على النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وحدَهُ، وأنَّ من بعدَهُ يقومُ في ذلك مقامَهُ، فكذلك قولُهُ: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} سواءٌ. ألا ترَى أنَّ أبا بكرٍ الصدِّيق في جماعةِ الصَّحابةِ قاتَلُوا من تأوَّل في الزَّكاةِ، مِثلَ تأويلِ هؤُلاءِ في صَلاةِ الخَوْفِ؟

قال أبو عُمر: ليسَ في أخذِ الزَّكاةِ التي قدِ اسْتَوى فيها النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدَهُ من الخُلفاءِ، ما يُشبِهُ صَلاةَ من صلَّى خلفَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وصلَّى غيرُهُ خلفَ غيرِهِ؛ لأنَّ أخذَ الزَّكاةِ، فائدتُها توصيلُها للمساكينِ، وليسَ في هذا فضلٌ للمُعطَى، كما في الصَّلاةِ فَضْلٌ للمُصلِّي خلفَهُ.

وأمّا مُراعاةُ القِبْلةِ للخائفِ في الصَّلاةِ، فساقِطةٌ عنهُ عندَ أهلِ المدينةِ، والشّافِعيِّ (١)، إذا اشتدَّ خَوْفُهُ، كما يسقُطُ عنهُ (٢) النُّزولُ إلى الأرضِ، لقولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: ٢٣٩]. قال ابن عُمر: مُسْتقبِلي القِبلةِ، وغيرَ مُستقبِليها. وهذا لا يجُوزُ لمُصلِّي الفَرْضِ في غيرِ الخَوْفِ.

ومِن الدَّليلِ على أنَّ ما خُوطِبَ به النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- دخلت فيه أُمَّتُهُ، إلّا أن يتبيَّنَ خُصُوصٌ في ذلك، قولُ الله عزَّ وجلَّ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} الآيةَ [الأحزاب: ٣٧]. ومِثلُ ذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}


(١) انظر: الأم ١/ ٢٤٢، والمدونة ١/ ٢٤٠.
(٢) في م: "عند".

<<  <  ج: ص:  >  >>