للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي صَلاةِ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في الخَوْفِ بأصحابِهِ رَكْعةً ركعةً، وأتمَّت كلُّ طائفةٍ لأنْفُسِها (١)، دليل على أنَّ حديثٌ جابرٍ في قِصَّةِ مُعاذٍ -وصلاتِهِ بقَومِهِ، بعدَ صَلاتِهِ مع النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- (٢) تلكَ الصلاةَ -منسُوخٌ، لأنَّهُ لو جازَ أن تُصلَّى الفَرِيضةُ خلفَ المُتنفِّلِ، لصلَّى بهم رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- رَكْعتينِ رَكْعتينِ، والله أعلمُ.

قدِ احتجَّ بهذا أبو الفَرج، وغيرُهُ من أصحابِنا، ومن الكُوفيِّين أيضًا، إلّا (٣) أنَّهُ يَعترِضُ عليهم حديثُ أبي بَكْرةَ، وحديثُ جابرٍ، وفي ذلك نظرٌ، وبالله التَّوفيقُ.

وقالت طائفة من أهلِ العِلْم، منهُم أبو يوسُف، وابنُ عُليَّةَ: لا تُصلَّى صَلاةُ الخَوْفِ بعدَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بإمام واحدٍ، وإنَّما تُصلَّى (٤) بإمامَيْنِ، يُصلِّي كلُّ إمام بطائفةٍ رَكْعتينِ، واحتجُّوا بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} الآيةَ [النساء: ١٠٢].

قالوا: فإذا لم يكُن فيهمُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لم يكُن ذلك لهم، لأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ليسَ

كَغير في ذلك، ولم يَكُن من أصحابِهِ من يُؤثِرُ بنَصيبِهِ منهُ غيرَهُ، وكلُّهُم كان يُحِبُّ أن يأتَمَّ به ويُصَلِّي خلَفهُ، وليسَ أحَدٌ بعدَهُ يقومُ في الفَضْلِ مقامَهُ، والنّاسُ بعدهُ تَسْتوي أحوالُهُم، أو تتقاربُ، فلذلكَ يُصلِّي الإمامُ بفريق منهُم، ويأمُرُ من يُصلِّي بالفَريقِ الآخرِ، وليسَ بالنّاسِ اليومَ حاجةٌ إلى صَلاةِ الخَوْفِ، إذا كان لهم سَبيلٌ أن يُصلُّوا فوجًا فوجًا، ولا يَدَعُوا فرضَ القِبْلةِ ولهم إليها سبيلٌ.


(١) في م: "لنفسها".
(٢) سيأتي بإسناده في الحديث الثاني والأربعون لأبي الزناد، وهو في الموطأ ١/ ١٩٥ (٣٥٥).
وانظر تخريجه هناك.
(٣) حرف الاستثناء سقط من د ٤، ولابدّ منه.
(٤) زاد هنا في د ٤: "بعد إلى يوم القيامة"، ولا توجد مثل هذه العبارة في الاستذكار ٢/ ٤٠٦ حين ذكر هذا النص.

<<  <  ج: ص:  >  >>