للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكِنَّ المسؤُولَ لمّا رأى حديثَ حَفْصةَ هذا يُوجِبُ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان مُتمتِّعًا في حَجَّتِهِ، أو قارِنًا، ولا بُدَّ من إحدَى هاتين الحالتَيْنِ، على حديثِ حَفْصةَ هذا، وعرفَ أنَّ مالكًا كان يَذْهبُ إلى أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان مُفرِدًا في حَجَّتِهِ تلكَ- لحديثهِ عن عبدِ الرَّحمن بن القاسم، عن أبيهِ، عن عائشةَ (١)، ولحديثهِ عن أبي الأسودِ وابن شِهاب، جميعًا عن عُروةَ، عن عائشةَ: أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أفردَ الحجَّ (٢) - دَفعَ حديثَ حَفْصةَ بما لا وجهَ لهُ، وزعمَ أنَّ مالكًا انفردَ بقولِهِ: "ولم تحِلَّ أنتَ من عُمرتِكَ؟ ".

قال أبو عُمر: فلم ينفرِد بها مالكٌ، ولوِ انفردَ بها، ما نسَبَ أحدٌ إليه الوهمَ فيها؛ لأنَّها لَفْظةٌ لا يدفعُها أصلٌ، ولا نَظَر من أصلٍ، ولو جُوِّزَ لهُ أن يدفَعَ حديث حَفْصةَ هذا، بمِثلِ ذلك من خَطَلِ القولِ، كيفَ كان يصنعُ في أحاديثِ التَّمتُّع كلِّها، التي رُوي فيها: أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان في حجَّتِهِ مُتمتِّعًا. وفي أحاديثِ القِرانِ، التي صرَّحت (٣) أو دَلَّتْ على أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان يومئذٍ قارِنًا. وهي كلُّها آثارٌ صِحاحٌ ثابتةٌ، قد خرَّجها (٤) البُخاريُّ، ومُسلِمٌ، وأبو داود، وغيرُهُم.

قال أبو عُمر: الذي عليه أهلُ العِلم فيما اختَلَف من الآثارِ، المصيرُ إلى أقوى ما رَوَوهُ، وكان أثبتَ عندَهُم من جِهَةِ النَّقلِ والمعنى، وأشبَهَ بالأُصُولِ المُجتَمع عليها.


(١) أخرجه في الموطأ ١/ ٤٥١ (٩٤٣).
(٢) أخرجه في الموطأ أيضًا ١/ ٤٥١ (٩٤٤).
(٣) في د ٤: "خرجت".
(٤) في م: "أخرجها".

<<  <  ج: ص:  >  >>