للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاجُّ من حجِّهِ، وقال: "لوِ اسْتَقبلتُ من أمْرِي ما اسْتَدبرتُ، ما سُقتُ الهَدْي، ولَجعلْتُها عُمرةً، فمن كان ليسَ معَهُ هديٌ، فليحِلَّ، ولْيَجعلْها عُمْرةً" (١).

وهذا عندَنا خُصُوصٌ، واللهُ أعلمُ، لأنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- علِمَ أنَّهُ لا يحُجُّ بعدَها، وكان قد عرفَ من أمْرِ جاهِليَّتهِم أنَّهُم لا يرونَ العُمرةَ في أشْهُرِ الحجِّ إلّا فُجُورًا، ونسَخَ اللهُ ذلك من أمرِهِم، فأرادَ -صلى الله عليه وسلم- أن يُريَهُم أنَّ العُمرةَ في أشْهُرِ الحجِّ ليسَ بها بأسٌ، فأمَرَ أصحابَهُ أن يحِلُّوا بعُمْرةٍ يتمتَّعُونَ بها.

ومِمّا استدلَّ به من فضَّلَ القِرانَ والتَّمتُّع على الإفْرادِ، أنْ قال في (٢) حديثِ حَفْصةَ هذا عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قولَهُ: "إنِّي قلَّدتُ هَدْيي، ولبَّدتُ رأسي، فلا أحِلُّ حتّى أنحَرَ الهَدْي"، يدُلُّ أنَّهُ كان قارِنًا -صلى الله عليه وسلم-، بقولِهِ (٣): "حتّى أحِلَّ من الحجِّ"؛ كذلك رواهُ الحُفّاظُ، عن عُبيدِ الله بن عُمرَ، عن نافع، عن ابن عُمرَ، عن حَفْصةَ. وقال أحمدُ بن حَنْبل: عُبيدُ الله بن عُمرَ أقْعَدُ بنافع من أيُّوب، ومالكٍ (٤)، وكلُّهُم ثَبْتٌ. لأنَّهُ لو كان مُفرِدًا لحجِّهِ، لكان هَدْيُهُ تطوُّعًا، والهديُ التَّطوُّعُ لا يَمْنعُ من الإحلالِ الذي يحِلُّهُ الرَّجُلُ، إذا لم يكُن معَهُ هديٌ، ولو كان هَدْيُهُ تطوّعًا، لكان حُكْمُهُ كحُكْمِ من لم يَسُق هديًا، ولَجعلَها عُمْرةً على حِرْصِه على ذلك، بدليل قولِهِ: "لوِ اسْتَقبلتُ من أمْرِي ما اسْتَدبرتُ، ما سُقتُ الهَدْي". والهديُ الذي يَمْنعُ من ذلك، هديُ قِرانٍ، أو هَدْيُ مُتعةٍ، هذا ما لا شكَّ فيه عندَ أهلِ العِلم.


(١) هذا طرف من حديث جابر المطول بخبر حجته -صلى الله عليه وسلم-، وقد ذكر مالك في الموطأ ١/ ٤٨٩ (١٠٥٧) طرفًا منه، ولم يسقه بتمامه، وهو بتمامه عند مسلم (١٢١٨) وغيره.
(٢) في الأصل: "إن"، خطأ بيّن.
(٣) في الأصل: "وقوله"، وهو خطأ، والمثبت من بقية النسخ.
(٤) في د ٤: "وقال أحمد بن حنبل: حدثنا عبيد الله بن عمر الحديثان عن أيوب ومالك"، وهو تحريف ظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>