للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا (١) تَرَى لو أنَّ رجُلًا خرجَ يُريدُ التَّمتُّع، وأحرمَ بعُمرةٍ: أنَّهُ إذا طافَ لها وسَعَى، وحلقَ، حلَّ منها بإجماع، إلّا أن يكونَ معَهُ هديٌ لمُتعتِهِ، فإن كان ساقَ هديًا لمُتعتِهِ، لم يحِلَّ حتّى يوم النَّحرِ، ولو ساقَ هديًا تطوُّعًا، حلَّ قبلَ يوم النَّحرِ، بعدَ فَراغِهِ من العُمرةِ.

قالوا: فثبتَ بذلك أنَّ هَدْيَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لمّا كان قد مَنعهُ من الإحلالِ، وأوجَبَ ثُبُوتَهُ على الإحرام إلى يوم النَّحرِ، لم يكُن هَدْيَ تطوُّع، وإنَّما كان هديًا لسَببِ عُمْرةٍ، يُرادُ بها قِرانٌ أو تمتُّعٌ.

هذا كلُّهُ قولُ من نَفَى أن يكونَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يومئذٍ مُفْرِدًا، وعوَّل على حديثِ حَفْصةَ هذا، وما كان في معناهُ.

قالوا: ونَظَرنا في حديثِ حَفْصةَ هذا، فإذا حديثُها قد دلَّنا على أنَّ ذلك القولَ من رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- كان بمَكَّةَ؛ لأنَّه (٢) كان منهُ بعدَما حلَّ النّاسُ، ألا ترَى إلى قولىِ حَفْصةَ: ما شأنُ النّاسِ حلُّوا، ولم تحِلَّ أنتَ من عُمرتِكَ؟ ولا يخلُو النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حينَ قال لحَفْصةَ مُجاوِبًا لها عن قولِها: "إنِّي قلَّدتُ هَدْيي، ولبَّدتُ رأسي، فلا أحِلُّ حتّى أنحَرَ الهَدْي" من أن يكونَ قال ذلك قبلَ أن يطُوفَ، أو بعدَ الطَّوافِ، فإن كان قد طافَ قبلَ ذلك، ثُمَّ أحرمَ بالحجِّ من بعدُ، فإنَّما (٣) كان


(١) جاء قبل هذا في بعض النسخ: "قال أبو عمر: قولُهُ: هذا ما لا شَكَّ فيه عندَ أحَدٍ من أهلِ العلم، فإنَّهُ إن أرادَ هَدْي القِرانِ، فهو المانع من الإحْلالِ عندَ الجميع، وأمّا هَدْيُ التَّمَتُّع، فإنَّهُ لا يمنعُ من الإحلالِ عندَ أكثرِ أهلِ الحِجازِ، وإنَّما يمنَعُ منهُ عندَ فُقهاء الكُوفيِّينَ، وعلى مذهبهم تكلَّمَ هذا القائل، وهو أبو جعفَرٍ الطَّحاويُّ. ثم نرجعُ إلى قوله، قال" ولم يرد في الأصل ولا معنى له هنا.
(٢) قوله: "كان بمكة لأنه" لم يرد في الأصل، م.
(٣) في م: "فإما".

<<  <  ج: ص:  >  >>