للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِدبارَها هاهُنا، ليس بضِدِّ استِقبالِها، لأنَّهُ ثابت معَهُ في بعضِها، والضِّدُّ لا يثبُتُ مع ضِدِّهِ، ومعلُومٌ أنَّ المأمُورَ باستِقبالِ الكَعْبةِ، لم يُؤمر باسْتِقبالِ جَميعها، وإنَّما تَوجَّه الخِطابُ إليه، باسْتِقبالِ بَعضِها، والمُصلِّي في جَوْفِها قدِ استقبلَ جِهةً منها، وقِطْعةً، وناحيةً (١)، فهُو مُستقبِلٌ لها بذلك.

وقد ثبتَ عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ صلَّى فيها رَكْعتينِ، وهُو المُبيِّنُ عن الله مُرادَهُ.

وكلُّ مَوْضِع تجُوزُ فيه صلاةُ النّافِلةِ، جازت فيه صلاةُ الفَريضةِ، قياسًا ونظرًا، إلّا أن يمنعَ من ذلك ما يجِبُ التَّسليمُ لهُ، على أنَّهُ لا يجِبُ لأحَدٍ أن يتعمَّدَ صلاةَ الفَرِيضةِ فيها.

ولو صلَّى فيها رَكْعتين نافِلةً، لم يكُن بذلك بأسٌ، فإن صلَّى أحَدٌ فيها فَريضةً، فلا حرجّ، ولا إعادةَ.

فإن قيل: إنَّ النّافِلةَ قد تجُوزُ على الدّابَّةِ للمُسافِرِ إلى غَيرِ القِبْلةِ، ولا تجُوزُ كذلكَ الفريضةُ، فلِمَ قِسْتَ النّافِلةَ على الفَرِيضةِ؟

قيل لهُ: ذلك مَوْضِعُ خُصُوصٍ بالسُّنَّةِ لضرُورةِ السَّفرِ، كما تجُوزُ صَلاةُ الفَريضةِ للخائفِ المطلُوبِ، راكِبًا مُستقبِلَ القِبلةِ وغيرَ مُستقبِلِها، لضرُورةِ الخوفِ، وليس ذلك بمُبيح لهُ الصلاةَ المفرُوضةَ على الدّابَّةِ في حالِ الأمنِ من غيرِ ضرُورة، ولا بمُبيح ذلك لهُ تَرْكَ استِقبالِ القِبلةِ من غيرِ ضرُورة، وكذلكَ الصَّلاةُ على الدّابَّةِ للمُتطوِّع المُسافِرِ، ليسَ ذلك بمُبيح لهُ الصَّلاةَ النّافِلةَ، ولا الفَرِيضةَ على الأرضِ إلى غيرِ القِبلةِ في الحَضَرِ، لأنَّها في السَّفرِ حالُ ضرُورةٍ، خُصت بالسُّنَّةِ والإجماع.


(١) في د ٤: "واجبة".

<<  <  ج: ص:  >  >>