للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: قد مَضَى منَ القولِ في حديثِ بَرِيرةَ وُجُوهٌ ومعانٍ حِسانٌ، في بابِ رَبيعةَ من هذا الكِتابِ، وسيأتي القولُ مُستَقصًى مُمهَّدًا مُوعَبًا في معاني حديثِ بَرِيرةَ، في بابِ هشام بن عُرْوةَ إن شاءَ الله.

وأمّا قولُهُ في هذا الحديثِ: "لا يَمْنَعُكِ ذلك"، فمَعناهُ: لا يَمْنَعُكِ ما ذكَرُوا من اشْتِراطِ الولاءِ، أن تحتَرِم شراءَها، وقلْ (١) لهم: "الوَلاءُ لمن أعتَقَ". فلا سَبِيلَ إلى ما ذَكَرتُمُوهُ، إن أرَدْتُم بَيْعَها، فإنَّ الحُكمَ فيها، وفي غيرِها: أنَّ الوَلاءَ لمن أعْطَى الثَّمنَ، إذا أعتَقَ، وإنْ لم تريدُوا بيعَها على حُكم السُّنَّةِ، فشأنكُم بها.

هذا معنَى هذا الحديثِ عندَ أهلِ العِلم، ولا يجُوزُ غيرُ هذا التَّأويلِ، ومِثلُهُ عندَ من عرفَ الله، وعرفَ رسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم-، وعرفَ أحكامَهُما (٢) في كِتابِ الله، وسُنَّةِ نبيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-.

وقد بَيّنا (٣) هذا المعنَى بالحُجَّةِ الواضِحةِ، في بابِ هشام بن عُروةَ، والحمدُ لله.

وفي ظاهِرِ هذا الحديثِ دَلِيلٌ على أنَّ الشَّرطَ الفاسِدَ، لا يقدحُ في البَيْع، ولا يُفسِدُهُ، ولا يُبطِلُهُ، وأنَّ البيعَ يصِحّ معَهُ، ويبطُلُ الشَّرطُ.

ولكِن قد جاءَت آثارٌ، منها ما يدُلُّ على جَوازِ البيع والشَّرطِ، ومنها ما يدُلُّ على إبطالِ البيع من أجْلِ الشَّرطِ الفاسِدِ، ولكلِّ حديثٍ منها وجهٌ، وأصَحُّها من جِهةِ النَّقلِ حديثُ ابن عُمر هذا في قِصَّةِ بَرِيرةَ، وقد رَوَتهُ عائشةُ أيضًا، وهُو يَدُلُّ على ما ذكَرْنا.

ولتَلْخيصِ معاني الآثارِ المُتعارِضةِ في هذا البابِ موضِعٌ غيرُ هذا، ومن حملَ الحديثَ على ما تأوَّلناهُ عليه، لم يكُن فيه دليلٌ على جَوازِ البيع، وبُطلان


(١) هكذا في النسخ، والمراد الخطاب لمن أراد الشراء.
(٢) في ف ٣: "أحكامها".
(٣) في د ٤: "أثبتنا"، والمثبت من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>