للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حُجّةِ من ذهَبَ هذا المذهب، حديثُ سِماكِ بن حربٍ، عن سعِيدِ بن جُبير (١)، عنِ ابنِ عُمرَ، قال: سألتُ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قلتُ: يا رسُولَ الله، إنِّي أبِيعُ الإبِلَ بالبقيع (٢)، أبِيعُ بالدَّنانيرِ، وآخُذُ الدَّراهِم، وأبِيعُ بالدَّراهِم وآخُذُ الدَّنانير؟ فقال رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا بأسَ بذلك ما لم تَفْترِقا وبينكُما شيءٌ" (٣).

ففي هذا الحديثِ دليلٌ على جَوازِ الصَّرفِ إذا كان أحدُهُما دينًا.

قالوا: فكذلك إذا كانا دَيْنينِ؛ لأنَّ الذِّمّةَ الحاضِرةَ كالعَيْنِ الحاضِرةِ، وصارَ الطَّرحُ عندَهُم في ذلك، كالمقبُوضِ من العينِ الحاضِرةِ، ومعنى الغائبِ عندَهُم، هُو الذي يحتاجُ إلى قبضٍ، ولا يُمكِنُ قبضُهُ حتّى يَفْترِقا، بدليلِ حديثِ عُمرَ: لا تُفارِقْهُ حتّى تَقْبِضَهُ (٤).

وقال الشّافعيُّ وجماعة، وهُو قولُ اللَّيثِ: لا يجُوزُ تَصارُفُ الدَّينينِ، ولا تَطارُحُهُما؛ لأنَّهُ لمّا لم يجُز غائبٌ بناجِزٍ، كان الغائبُ بالغائبِ أحْرَى أن لا يجُوز (٥).

وأجازَ الشّافعيُّ وأصحابُهُ قَضاءَ الدَّنانيرِ عنِ الدَّراهِم، وقضاءَ الدَّراهِم عنِ الدَّنانيرِ.

وسواءٌ كان ذلك من بَيع، أو من قرضٍ، إذا كان حالًّا، وتقابَضا قبلَ أن يَفْترِقا، بأيِّ سِعرٍ شاءا (٦)، فإن تفرَّقا قبلَ أن يَتَقابضا، بطلَ الصَّرفُ بينهُما، ورجَعَ كلُّ واحِدٍ منهُما إلى أصلِ ما كان لهُ على صاحِبِهِ.


(١) في م: "سعيد بن يحيى".
(٢) هذه الكلمة سقطت من الأصل، م.
(٣) سيأتي بإسناده لاحقًا، وانظر تخريجه في موضعه.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ١٦٢ - ١٦٣ (١٨٥٦).
(٥) انظر: الأم ٣/ ٣٣.
(٦) في م: "شاء".

<<  <  ج: ص:  >  >>