للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنِ الدّارِ من المُشرِكِينَ، يُبيّتُونَ، فيُصابُ من ذَرارِيهِم ونِسائهِم، فقال رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "هُم منهُم". قال: وكان عَمرُو بن دِينارٍ يقولُ: هُم من آبائهِم. قال الزُّهرِيُّ: نَهى رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بعدَ ذلك عن قَتْلِ النِّساءِ والوِلدانِ.

قال أبو عُمر: جعلَ الزُّهرِيُّ حديثَ الصَّعبِ بن جثّامةَ منسُوخًا، بنهيِ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عن قَتلِ النِّساءِ والوِلدانِ. وغيرُهُ يجعلُهُ محُكمًا غير منسُوخ، ولكِنَّهُ محصُوصٌ بالغار، وتركِ القَصدِ إلى قَتْلِهِم، فيكونُ النَّهيُ حِينئذٍ يتَوجَّهُ إلى من قصدَ قتلهُم، وأمّا من قصدَ قتلَ آبائهِم، على ما أُمِرَ به من ذلك، فأصابَهُم وهو لا (١) يُرِيدُهُم، فليسَ مِمَّن تُوجَّهُ إليه الخطابُ (٢) بالنَّهيِ عن قتلِهِم، على مِثلِ تِلك الحالِ.

ومِن جِهةِ النَّظرِ، لا يجِبُ أن يتَوجَّه النَّهيُ إلّا إلى القاصِدِ؛ لأنَّ الفاعِلَ لا يستحِقُّ اسمَ الفعل حقِيقةً دُونَ مجازٍ، إلّا بالقَصدِ والنّيةِ والإرادةِ، ألا تَرى أنَّهُ لو وجَبَ عليه فِعلُ شيءٍ ففَعلهُ، وهُو لا يُرِيدُهُ، ولا يَنْوِيهِ، ولا يقصدُهُ، ولا يَذكُرُهُ، هل كان ذلك يُجزِئُ عنهُ من فِعلِهِ، أو يُسمَّى فاعِلًا لهُ؟

وهذا أصلٌ جسِيمٌ في الفِقهِ، فافهمهُ.

وأمّا قولُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "من آبائهِم". فمعناهُ: حُكمُهُم حُكمُ آبائهِم، لا دِيةَ فيهم ولا كفّارةَ، ولا إثمَ فيهم أيضًا، لمن لم (٣) يَقْصِد إلى قَتلِهِم.

وأمّا أحكامُ أطفالِ المُشرِكِينَ في الآخِرةِ، فليسَ من هذا البابِ في شيءٍ.

وقدِ اختلفَ العُلماءُ في حُكم أطفالِ المُشرِكِين في الآخِرةِ، وقد ذكَرْنا اختِلافَهُم، واختِلافَ الآثارِ في ذلك، في بابِ أبي الزِّنادِ، من كِتابِنا هذا، والحمدُ لله.


(١) في م: "وهؤلاء" بدل: "وهو لا".
(٢) في م: "الخطايا".
(٣) سقط حرف الجزم من د ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>