للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما والذي بعثكَ بالحقِّ، لأعمَلَنَّ بها، ولآمُرَنَّ أطاعني من قومِي. ثُمَّ رجَعَ.

فضحِكَ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتّى بدَتْ نَواجِذُهُ، ثُمَّ قال: "والذي نَفْسِي بيدِهِ، لئنْ صدَقَ، ليدخُلنَّ الجنّةَ".

قال أبو عُمر: في هذه الأحادِيثِ كلِّها ذِكْرُ الحجِّ، وهِي أحادِيثُ ثابتةٌ حِسانٌ صحِيحةٌ.

وقولُهُ في حديثِ ابنِ عبّاس: وأمّا الخامِسةُ، فلا أسألُكَ عنها، يعني الحجَّ. بعد أن جَعلَها خامِسةً، ففيه دليل على أنَّ الإسلامَ، ودِينهُ على خمسةِ أعْمِدةٍ عِندهُ (١)، فمنها الحجُّ.

والمعنى في قولِهِ ذلك، أنَّ العربَ كانت تعرِفُ الحجَّ، وتحُجُّ كلَّ عام في الأغْلَبِ، فلم يرَ في ذلك ما يحتاجُ فيه إلى المُناشَدةِ، وكان ذلك مِمّا ترغَبُ فيه العَربُ لأسواقِها، وتَبرُّرِها، وتَحنُّفِها، فلم يحتَجْ في الحجِّ، إلى ما احتاجَ في غيرِهِ من السُّؤالِ والمُناشدةِ، واللَّه أعلمُ.

وأظُنُّ سُقُوط ذِكْرِ الحجِّ من حديثِ مالكٍ، حديثِ طَلْحةَ بن عُبيدِ اللَّه، كان على ما في حَدِيثِ ابنِ عبّاسٍ، فلم يذكُرهُ أحدُ رُواتِهِ فيه، واللَّه أعلمُ.

ومِن الدَّليلِ على جَوازِ تأخِيرِ الحجِّ: إجماعُ العُلماءِ على تَرْكِ تفسِيقِ القادِرِ على الحجِّ، إذا أخَّرهُ العامَ والعامينِ، ونحوهُما، وأنَّهُ إذا حجَّ بعدَ أعوام من حِينِ اسْتِطاعتِهِ، فقد أدَّى الحَجَّ الواجِب عليه في وَقْتِهِ.

وليسَ عندَ الجميع، كمن فاتَتهُ الصَّلاةُ، حتّى خرجَ وَقْتُها، فقَضاها بعدَ خُرُوجِ وقتِها، ولا كمَنْ فاتهُ صِيامُ رمضانَ، لمرَضٍ أو سَفَرٍ فقَضاهُ، ولا عَمّنْ أفسدَ حَجَّهُ، فلزِمهُ قَضاؤُهُ.


(١) هذه الكلمة لم ترد في ف ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>