للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمّا أجمعُوا أنَّهُ لا يُقالُ لمن حجَّ (١) بعدَ أعوام، من وقتِ استِطاعتِهِ: أنتَ قاضٍ لما كان وجبَ عليكَ، ولم تأتِ بالحجِّ في (٢) وقتِهِ. عَلِمنا أنَّ وقتَ الحجِّ مُوسَّعٌ فيه، وأنَّهُ على التَّاخِيرِ والتَّراخِي، لا على الفَورِ، وباللَّه التَّوفيقُ.

ومِمّا نزعَ به من رآهُ على التَّراخِي، ما ذكَرَ اللَّه في كِتابِهِ من أمرِ الحجِّ، في سُورةِ الحجِّ، وهِي مكِّيّةٌ.

ومِن ذلك أيضًا أنَّ قول اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]، ونزلت في عام أُحُدٍ، وذلك سنةَ ثلاثٍ من الِهجْرةِ، ولم يحُجَّ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلّا سَنةَ عَشْرٍ.

فإن قيلَ: إنَّ مَكّةَ كانت ممنُوعةً منهُ، ومن المُسلِمِينَ، قيلَ: قدِ افْتَتحها سنةَ ثمانٍ في رمضانَ، ولم يحُجَّ حَجَّتهُ التي لم يحُجَّ بعد فرْضَ الحجِّ عليه غيرَها، إلّا في سنةِ عَشْرٍ، وأمرَ عتّابِ بن أُسيدٍ إذ ولّاهُ مكّةَ سَنةَ ثمانٍ أن يُقِيم الحجَّ للنّاسِ، وبعَثَ أبا بكرٍ الصَّدِّيق، رضِي اللَّه عنهُ، سنةَ تِسْع (٣). فأقامَ للنّاسِ الحجَّ، وحجَّ هُو -صلى اللَّه عليه وسلم- سنةَ عَشْرٍ من الهِجرةِ، فصادَفَ الحجَّ في ذي الحِجّةِ، وأخبَرَ أنَّ الزَّمانَ قدِ اسْتَدارَ كهيئَتِهِ يومَ خلقَ اللَّه السَّماواتِ والأرضَ (٤). وأنَّ الحجَّ في ذي الحِجّةِ إلى يوم القِيامةِ، إبطالًا لما كانتِ العربُ في جاهِلِيَّتِها عليه في تأخِيرِ الحجِّ


(١) هذه الكلمة سقطت من م.
(٢) في م: "وفي وقته".
(٣) أخرجه الدارقطني في سننه ٣/ ٢٥٩ (٢٥١٠) من حديث ابن عمر.
(٤) أخرجه أحمد في مسنده ٣٤/ ٢٣ (٢٠٣٨٦)، والبخاري (٣١٩٧٨، ٤٤٠٦، ٥٥٥٠، ٧٤٤٧)، ومسلم (١٦٧٩) (٢٩)، وأبو داود (١٩٤٨)، والبزار في مسنده ٩/ ٨٥ (٣٦١٥)، والنسائي في المجتبى ٧/ ١٢٧، وفي الكبرى ٤/ ٢٣٢ (٤٢٠١)، وابن خزيمة (٢٦٤)، وأبو عوانة (٦١٨٠)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١٤/ ٨٨ (١٤٥٦)، وابن حبان ٣/ ٣١٢ (٥٩٧٤)، والبيهقي في الكبرى ٥/ ١٦٥، من حديث أبي بكرة. وانظر: المسند الجامع ١٥/ ٥٦٤ - ٥٦٧ (١١٩٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>