للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوَجهُ الآخرُ، كهيئةِ السَّلام من الصَّلاةِ، فقد رُوِي عنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ كان يُسلِّمُ من الصَّلاةِ تَسْلِيمةً واحِدةً، من حديثِ سعدِ بن أبي وقّاصٍ، وعائشةَ، وأنسِ بن مالكٍ، وكلُّها معلُولةُ الأسانِيدِ، لا يُثبِتُها أهلُ العِلم بالحديثِ.

وأمّا حديثُ سعدٍ، فإنَّ الدَّراوردِيَّ رواهُ عن مُصعبِ بن ثابتٍ، عن إسماعيلَ بن محمدِ بن سعدٍ، عن محمدٍ، عن أبيه سعدٍ: أنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُسلِّمُ من الصَّلاةِ تسلِيمةً واحِدةً (١). فأخَطَأ فيه خَطأً لم يُتابِعهُ أحدٌ عليه، وأنكرُوهُ عليه، وصرَّحُوا بخطئهِ فيه؛ لأنَّ كلَّ من رَواهُ عن مُصعبِ بن ثابتٍ، بإسنادِهِ المذكُورِ قال فيه: إنَّ رسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُسلِّمُ من الصَّلاةِ تَسْلِيمتينِ.

وأمّا حديثُ عائشةَ (٢)، فانفردَ به زُهَيرُ بن محمدٍ، لم يروِهِ مرفُوعًا غيرُهُ. وهُو ضعِيفٌ لا يُحتجُّ بما ينفرِدُ به.

وأمّا حديثُ أنسٍ، فإنَّما رُوِيَ عن أيُّوب السَّختِيانِيِّ عن أنَسٍ (٣). ولم يسمع أيُوبُ من أنسٍ ولا رآهُ، قال أبو بكرٍ البزّارُ وغيرُهُ: لا يصِحُّ عنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في التَّسلِيمةِ الواحِدةِ شيءٌ. يعني: من جِهةِ الإسنادِ.

قال أبو عُمر: لم يُخرِّج البُخارِيُّ في التَّسلِيم من الصَّلاةِ شيئًا، لا في الواحِدةِ، ولا في الاثنتينِ، ولا خرَّجَ أبو داود السِّجِستانِيُّ، ولا أبو عبدِ الرَّحمنِ النَّسائيُّ في التَّسلِيمةِ الواحِدةِ شيئًا، وخرَّج أكثرُ المُصنِّفِين في السُّننِ حديث التَّسْلِيمتينِ.


(١) سلف بإسناده في شرح حديث ابن شهاب، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وهو في الموطأ ١/ ١٤٨ (٢٤٩)، وانظر تخريجه في هناك.
(٢) سلف تخريجه كالذي قبله في الموضع المذكور.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٣٠٨٩)، والبزار في مسنده ١٣/ ١٤١ (٦٥٣٦) من طريق أيوب، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>