للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن حُجّةِ الشّافعيِّ ومن قال بقولِهِ في هذه المسألةِ: أنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ أمرَ بالصَّلاةِ على نبِيِّهِ، وأن يُسلَّمَ عليه تَسلِيمًا، ثُمَّ جاءَ أمرُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتَّشهُّدِ، وأنَّهُ كان يُعلِّمُ أصحابهُ ذلك، كما يُعلِّمُهُمُ السُّورةَ من القُرآنِ، وقال لهم: إنَّهُ يقالُ في الصَّلاةِ، لا في غَيْرِها، وقالوا: قد عَلِمنا السَّلامَ عليكَ، فكيفَ الصَّلاةُ؟ فقال لهم: "قولُوا اللَّهُمَّ صلِّ على محمدٍ،". وعلَّمهُم ذلك وقال لهم: "السَّلامُ كما قد علِمتُم". فدلَّ ذلك على أنَّ الصَّلاةَ عليه في الصَّلاةِ، قَرِينُ التَّشهُّدِ.

قالوا: ووجَدْنا الأُمّةَ بأجمعِها تفعلُ الأمرَينِ جميعًا في صلاتِها، فعلِمنا أنَّهُما في الأمرِ بهما سَواءٌ، فلا يجُوزُ أن يُفرَّقَ بينهُما، ولا تتِمُّ الصَّلاةُ إلّا بهما، لأنَّهُما وِراثةٌ عن رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابِهِ وسائرِ المُسلِمِينَ، قولًا وعملًا.

قالوا: وأمّا احتِجاجُ منِ احتجَّ بحديثِ ابنِ مسعُودٍ في التَّشهُّدِ، وقولِهِ في آخِرِهِ: "فإذا قُلتَ ذلك فقد تمَّت صلاتُك" فلا وجهَ لهُ (١)؛ لأنَّهُ حديثٌ خرجَ على معنًى في التَّشهُّدِ، وذلك أنَّهُم كانوا (٢) يقولُونَ في الصَّلاةِ: السَّلامُ على اللَّه. فقيل لهم: إنَّ اللَّهَ هُو السَّلامُ، ولكِن قولُوا كذا، فعُلِّمُوا التَّشهُّد. ومعنى قولِهِ: "فإذا قُلتَ ذلك، فقد تمَّت صلاتُكَ". يعني: إذا ضُمَّ إليها ما يجِبُ فيها، من رُكُوع، وسُجُودٍ، وقِراءةٍ، وتسلِيم، وسائرُ أحكامِهِما، ألا تَرى أنَّهُ لم يذكُر لهُ التَّسلِيم من الصَّلاةِ، وهُو من فرائضِها، لأنَّهُ قد كان وَقَّفهُم على ذلك، فاستغنَى عن إعادةِ ذلك عليهم، وإنَّما حديثُ ابنِ مسعُودٍ هذا، مِثلُ قولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُمِرتُ أن آخُذَ الصَّدَقةَ من أغنِيائكُم، وأرُدَّها على فُقرائكُم" (٣). أي: ومن سُمِّي معهُم، ومِثلُ قولِهِ للَّذِي قال لهُ: "ارجِعْ فصلِّ فإنَّكَ لم تُصلِّ". ثُمَّ أمرَهُ بما رآهُ لم يأتِ به، ولم يُقِمهُ من


(١) شبه الجملة "له" سقط من الأصل.
(٢) هذه الكلمة سقطت من م.
(٣) سلف تخريجه في ٣/ ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>