للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّه عزَّ وجلَّ، وجَهْلًا بلطيفِ حِكْمتِهِ؛ لأنَّهُ يُنزِلُ الماءَ متى شاءَ، مرّة بنَوءِ كذا، ومرّةً دُونَ النَّوءِ، وكثيرًا ما يخوى (١) النَّوءُ، فلا ينزِلُ معهُ شيءٌ من الماءِ، وذلك من اللَّه، لا من النَّوءِ.

وكذلك كان أبو هريرةَ يقولُ، إذا أصبحَ وقد مُطِر: مُطِرنا بنوءِ الفَتْح، ثُمَّ يتلُو: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} (٢) الآيةَ [فاطر: ٢]. وهذا عِندي نحوُ قولِ رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مُطِرنا بفَضْلِ اللَّه وبرَحمتِهِ".

ومن هذا قولُ عُمرَ بن الخطّابِ للعبّاسِ بن عبدِ المُطَّلِبِ، حينَ اسْتَسقى به: يا عمَّ رسُولِ اللَّه، كَمْ بقي من نوءِ الثُّريّا؟ فقال العبّاسُ: العُلماءُ بها يزعُمُونَ أنَّها تَعْترِضُ في الأُفُقِ سبعًا (٣). فكأنَّ عُمرَ، رحِمهُ اللَّه، قد علِمَ أنَّ نوءَ الثُّريّا وقَتٌ يُرجَى فيه المطرُ ويُؤَمَّلُ، فسألهُ عنهُ: أخرَجَ، أم بَقِيت منهُ بقيّةٌ؟

ورُوِي عنِ الحسنِ البصريِّ، أنَّهُ سمِعَ رجُلًا يقولُ: طلَعَ سُهَيلٌ، وبرَدَ اللَّيلُ. فكرِهَ ذلك، وقال: إنَّ سُهَيلًا لم يأتِ قَطّ بحرٍّ ولا بَردٍ.

وكرِهَ مالكُ بن أنَسٍ أن يقول الرَّجُلُ للغَيْم والسَّحابةِ: ما أخْلقَها للمَطَرِ (٤).

وهذا من قولِ مالكٍ، مع رِوايتِهِ: "إذا أنشأت (٥) بَحريّةٌ" (٦) يَدُلُّ على أنَّ


(١) في د ٤، ف ٣: "يجري". والخاوية: أي الخالية، كما قال تعالى: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة: ٢٥٩] أي: خالية. وخوت الدار، وخويت: خلت من أهلها، وأرض خاوية: خالية من أهلها، وقد تكون خاوية من المطر. انظر: لسان العرب ١٤/ ٢٤٥.
(٢) أخرجه في الموطأ ١/ ٢٦٧ (٥١٨).
(٣) أخرجه الحميدي (٩٧٩)، والطبري في تفسيره ٢٣/ ١٥٥، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٣٥٩.
(٤) انظر: الاستذكار ٢/ ٤٣٧.
(٥) قال القاضي عياض في مشارق الأنوار ٢/ ٢٨: "يقال: نشأت السحابة تنشأ إذا ابتدأت بالارتفاع، وأنشأت: بدأت بالمطر".
(٦) أخرجه في الموطأ ١/ ٢٦٧ (٥١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>