للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القومَ احتاطُوا، فمَنعُوا النّاسَ من الكلام بما فيه أدْنَى مُتعلَّقٍ من أمرِ الجاهِليّةِ، في قولِهِم: مُطِرنا بنَوْءِ كذا وكذا، على ما فسَّرناهُ، واللَّه أعلمُ، وسيأتي القَولُ في معنى قولِهِ: "إذا أنشأت بحريّةٌ" في مَوْضِعِهِ إن شاءَ اللَّه.

والنَّوءُ في كلام العربِ، واحِدُ أنواءِ النُّجُوم، يقالُ: ناءَ النَّجمُ ينُوءُ، أي: نهضَ يَنْهضُ للطُّلُوع، وقد يكونُ أن يَميلَ للمَغيبِ، ومنهُ (١) قيلَ: ناوأتُ فُلانًا بالعَداوةِ. أي: ناهَضتَهُ، ومنهُ قولُهُم: الحِمْلُ ينُوءُ بالدّابّةِ. أي: يَميلُ بها، وكلُّ ناهِضٍ، بثِقَلٍ وإبطاءٍ، فقد ناءَ.

والأنواءُ على الحَقِيقةِ: النُّجُومُ التي هي مَنازِلُ (٢) القمرِ، وهي ثمانٍ وعِشرُونَ مَنْزِلةً، يبدُو لعينِ النّاظِرِ منها أرْبَعةَ عشَرَ مَنْزِلًا، ويخفى أرْبَعةَ عشَر، فكلَّما غابَ منها مَنْزِلٌ بالمغرِبِ، طلع رَقيبُهُ من المشرِقِ، فليسَ يُعدمُ منها أبدًا أربعةَ عشَرَ للنّاظِرينَ في السَّماءِ، وإذا لم يَنْزِل مع النَّوءِ ماءٌ، قيل: خَوَى النَّجمُ وأخْوَى، وخَوَى النَّوءُ وأخْلَفَ.

وأمّا العربُ فكانت تُضيفُ المطرَ إلى النَّوءِ، وهذا عندهم معرُوفٌ مَشْهُورٌ في أخبارِهِم وأشْعارِهِم.

فلمّا جاءَ الإسلامُ، نَهاهُم رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، وأدَّبهُم وعرَّفهُم ما يقولُونَ عندَ نُزُولِ الماءِ، وذلك أن يقولُوا: "مُطِرْنا بفَضلِ اللَّه ورحمتِهِ"، ونحوَ هذا من الإيمانِ والتَّسليم، لما نطقَ به القُرآنُ.

وأمّا أشعارُ العَربِ في إضافتِها نُزُولَ الماءِ إلى الأنواءِ، فقال الطِّرِمّاحُ (٣):


(١) في م: "ومما".
(٢) إلى هنا انتهى مجلد دار الكتب المصرية المصوّر بمعهد المخطوطات برقم (١٦٧)، والذي رمزنا له د ٤.
(٣) ديوانه، ص ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>