وهذا حديثٌ رواهُ ابن شهابٍ، عن عُروةَ، عن عائشةَ. وهشام بن عروة، عن عُروةَ (١).
ولم يروِهِ مالكٌ عنِ ابنِ شِهاب، ولا عن هشام، إلّا أنَّ شيخًا يُسمَّى يحيى بنَ محمدِ بن عبّادِ بن هانئ، رواهُ عن مالكٍ وابنِ أخي الزُّهريِّ، جميعًا عنِ الزُّهريِّ، عن عُروةَ، عن عائشةَ: أنَّ الصَّلاةَ أوَّلَ ما فُرِضت رَكْعتينِ، فزيدَ في صَلاةِ الحَضرِ، وأُقِرَّت صَلاةُ السَّفرِ.
وهذا لا يصِحُّ عن مالكٍ، والصَّحيحُ في إسنادِهِ عن مالكٍ: في "المُوطَّأ"، وطُرُقُهُ عن عائشةَ مُتواتِرةٌ، وهُو عنها صحيحٌ، ليسَ في إسنادِهِ مَقالٌ.
إلّا أنَّ أهل العِلم اختَلفُوا في معنى هذا الحديثِ، فذهَبَ منهُم جماعةٌ إلى ظاهِرِهِ وعُمُومِهِ، وما يُوجِبُهُ لفظُهُ، فأوجَبُوا القصرَ في السَّفرِ فرضًا، وقالوا: لا يجُوزُ لأحَدٍ أن يُصلِّيَ في السَّفرِ إلّا رَكْعتينِ رَكْعتينِ، كلَّ صَلاةِ أربع.
قال أبو عُمر: فأمّا المغرِبُ والصُّبحُ، فلا خِلافَ بينِ العُلماءِ أنَّهُما كذلك فُرِضَتا، وأنَّهُما لا قصرَ فيهما، في السَّفرِ، ولا غير. وهذا يدُلُّكَ على أنَّ قولَ عائشةَ: فُرِضتِ الصَّلاةُ رَكْعتينِ رَكْعتينِ، قولٌ ظاهِرُهُ العُمُومُ، والمُرادُ به الخُصُوصُ.
ألا تَرى أنَّ صلاةَ المغرِبِ غيرُ داخِلةٍ في قولِها: فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعتينِ رَكْعتينِ. وكذلك الصُّبحُ غيرُ داخِلةٍ في قولِها: فزيدَ في صَلاةِ الحَضرِ؟ لأنَّهُ مَعلُومٌ أنَّ الصُّبحَ لم يُزَدْ فيها، ولم يُنقَصْ منها، وأنَّها في السَّفرِ والحَضَرِ سَواءٌ.
فحُجّةُ من ذهَبَ إلى إيجابِ القَصرِ في السَّفرِ فرْضًا، قولُ عائشةَ: فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعتينِ رَكْعتينِ، فأُقِرَّت صَلاةُ السَّفرِ، وزيدَ في صَلاةِ الحَضرِ. وهذا واضِحٌ في أنَّ الرَّكعتينِ في السَّفرِ للمُسافِرِ فرْضٌ لا يجُوزُ خِلافُهُ؛ لأنَّ الفرضَ
(١) من قوله: "قالت فرض اللَّه الصلاة" إلى هنا، لم يرد في م.