قالوا: وكلُّ ما قيلَ فيه: لا جُناحَ، فإنَّما هُو رُخْصةٌ، لا حَتْمٌ، مِثلُ قَولِهِ عزَّ وجلَّ:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة: ١٩٨]. و {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}[البقرة: ٢٣٦]، و {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ}[البقرة: ٢٣٤]. وما كان مِثلَ هذا.
وكذلك قولُهُ عزَّ وجلَّ في الصَّفا والمروةِ:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}[البقرة: ١٥٨] نزَلَتْ في إباحةِ ما كان عندَهُم محظُورًا؛ لأنَّ العرَبَ كانت تَتَحرَّجُ من العُمرةِ في أشْهُرِ الحجِّ، وتتَحَرَّجُ من فِعلِ ما كانت تفعلُهُ في جاهِليَّتِها.
وقد بيَّنّا معنى هذه الآيةِ، في مواضِعَ من كِتابِنا هذا، والحمدُ للَّه.
قالوا: وإن كان شَرْطُ الخَوْفِ مذكُورًا في الآيةِ، فإنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهُو المُبيِّنُ عنِ اللَّه مُرادَهُ، قد بيَّن بسُنَّتِهِ، أنَّ المُسافِرَ يَقْمُرُ الصَّلاةَ في الخَوْفِ، وفي غيرِ الخَوْفِ، لأنَّهُ كان يقصُرُ وهُو آمِنٌ لا يخافُ إلّا اللَّه، فكانَ القصرُ في السَّفرِ مع الأمْنِ زيادةَ بيانٍ على لسانِ رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وإن لم يَنْزِل به وحيٌ يُتلى، ومثلُهُ كثيرٌ في الشَّرع.
واحتجُّوا من الأثر: بما حدَّثناهُ عبدُ اللَّه بن محمدِ بن عبدِ المُؤمِنِ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (١): حدَّثنا أحمدُ بن حَنْبل ومُسدَّدٌ، قالا: حدَّثنا يحيى بن سَعيدٍ، عنِ ابنِ جُريج، قال: حدَّثني عبدُ الرَّحمنِ بن عبدِ اللَّه بن
(١) في سننه (١١٩٩). والحديث سلف في شرح حديث ابن شهاب، عن رجل من آل خالد بن أسيد، وهو في الموطأ ١/ ٢٠٩ (٣٨٩). وانظر: تتمة تخريجه هناك.