للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا قولُه في الثاني: "فاستَحْيَا فاسْتَحْيَا اللَّهُ منه". فهو مِنَ اتِّساع كلام العرَبِ في ألْفاظِهم وفَصِيح كلامِهم. والمعنى فيه، واللَّهُ أعلمُ، أنَّ اللَّهَ قد غفَرَ له؛ لأنَّه مَن استَحْيَا اللَّهُ منه لم يُعَذِّبْه بذَنْبِه، وغفَر له، بل لم يُعاتِبْه عليه، فكان المعنى في الأوَّلِ أنَّ فِعْلَه أوجَبَ له حسَنَةً، والآخَرُ أوجَب له فِعلُه مَحْوَ سَيِّئَةٍ عنه، واللَّهُ أعلم.

وأمَّا قولُه في الثالثِ: "فأعْرَضَ فأعْرَضَ اللَّهُ عنه". فإنَّه، واللَّهُ أعلم، أراد: أعرَض عن عملِ البِرِّ، فأعرَضَ اللَّهُ عنه بالثَّوابِ، وقد يَحتَمِلُ أنْ يكونَ المُعرِضُ عن ذلك المجلِسِ ممَّن (١) في قلبِه نِفَاقٌ ومرَضٌ؛ لأنَّه لا يُعرِضُ في الأغلبِ عن مجلسِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَّا مَن هذه حالُه، بل قد بانَ لنا بقولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فأعرَضَ فأعرَضَ اللَّهُ عنه" أنَّه منهم؛ لأنَّه لو أعرَضَ لحاجَةٍ عرَضت له ما كان مِن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك القولُ فيه، ومَن كانت هذه حالَه كان إعراضُ اللَّه عنه سَخَطًا عليه، وأسألُ اللَّهَ المُعافَاةَ والنَّجاةَ مِن سَخَطِه بمَنِّه ورحمتِه.


(١) في الأصل: "من"، والمثبت من بقية النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>