للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا أدركَ رَكْعةً من صَلاةِ المُقيم، انتقلَ حُكمُهُ إلى حُكم المُقيم، ولَزِمهُ أن يُصلِّيَ أربعًا، عَلِمنا بذلك أنَّ قصرَ الصلاةِ ليسَ بفَرْضٍ واجِبٍ؛ لأنَّهُ لو كان فرضًا، لأضافَ المُسافِرُ إلى رَكْعتِهِ التي أدركها من صلاةِ المُقيم رَكْعةً أُخرى، واستُجزِئَ بذلك. فلمّا أجمعُوا على غيرِ ذلك، عُلِمَ أنَّ القصرَ للمُسافِرِ سُنّةٌ لا فرضٌ.

ألا تَرى أنَّهُم قد أجمعُوا أنَّهُ جائزٌ للمُسافِرِ أن يُصلِّيَ خلفَ المُقيم، من كرِهَ ذلك منهُم، ومنِ اسْتَحسنهُ، كلُّهُم يُجيزُهُ؟ وقد أجمعُوا على أنَّ المُسافِرَ إذا أدركَ رَكْعةً من صلاةِ المُقيم، لزِمهُ الإتمامُ، بل قد قال أكثرُهُم: إنَّهُ إذا أحرمَ المُسافِرُ خلفَ المُقيم قبلَ سَلامِهِ، أنَّهُ تلزمُهُ صلاةُ المُقيم، وعليه الإتمامُ، فلو كان القَصْرُ فرضًا واجِبًا، ما دخلَ المُسافِرُ معَ المُقيم في صلاتِهِ، والأمرُ في هذا واضِحٌ بيِّنٌ، لمن لم يُعانِد وأُلهِم رُشْدَهُ.

أخبرنا محمدُ بن عبدِ الملِكِ وعُبيدُ بن محمدٍ، قالا: حدَّثنا عبدُ اللَّه بن مَسرُورٍ، قال: حدَّثنا عيسى بن مِسكينٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن سَنْجَر، قال: حدَّثنا الفَضْلُ بن دُكَينٍ، قال: حدَّثنا شَريكٌ، عن جابرٍ، عن عامرٍ، عنِ ابنِ عبّاسٍ وابنِ عُمرَ، قالا: سَنَّ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للمُسافِرِ رَكْعتينِ، وهُما تمامٌ. قالا: والوِترُ في السَّفرِ من السُّنّةِ (١).

فهذا ابنُ عُمرَ وابنُ عبّاسٍ قد قالا: إنَّ صلاةَ المُسافِرِ سُنّةٌ. كما قالا: إنَّ الوتْرَ في السَّفرِ من السُّنّةِ.

وقد مَضَى في هذا البابِ عنِ ابنِ عُمرَ أيضًا وابنِ عبّاسٍ مِثلُ ذلك، وعن عَطاءٍ، وعَمرِو بن دينارٍ، والقاسم بن محمدٍ مِثلُ ذلك (٢)، وقد أشْبَعنا هذا المعنى عندَ ذِكرِ حديثِ ابنِ شِهاب، عن رَجُلٍ من آلِ خالدِ بن أَسِيدٍ، في كِتابِنا هذا، والحمدُ للَّه.


(١) سلف في شرح حديث ابن شهاب، عن رجل من آل خالد بن أسيد، وهو في الموطأ ١/ ٢٠٩ (٣٨٩). وانظر تخريجه هناك.
(٢) انظر: مصنَّف عبد الرزاق ٣/ ٤٢ - ٤٣ (٤٢٧٢، ٧٢٧٣، ٧٢٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>