وذكر ابنُ خُوَيْز مَنْداد أنَّ مالكًا يقولُ: إنَّ القصرَ في السَّفرِ مسنُونٌ غيرُ واجِب. وهُو قولُ الشّافِعيُّ.
قال أبو عُمرَ: في قولِ مالكٍ: إنَّ من أتمَّ الصَّلاةَ في السَّفرِ، لم تلزمَهُ الإعادةُ، إلّا في الوقتِ. دليلٌ على أنَّ القصرَ عِندهُ ليسَ بفرضٍ.
وقد حَكَى أبو الفرج في كِتابِهِ، عن أبي المُصْعبِ، عن مالكٍ، قال: القَصْرُ في السَّفرِ للرِّجالِ والنِّساءِ سُنّةٌ.
قال أبو الفَرج: فلا معنى للاشتِغالِ بالاستِدلالِ على مَذهبِ مالكٍ، معَ ما ذكَرَهُ أبو المُصعبِ: أنَّ القصرَ عندَهُ سُنّةٌ لا فرضٌ. قال: ومِمّا يدُلُّ على ذلك من مذهبِهِ: أنَّهُ لا يَرى الإعادةَ على من أتمَّ في السَّفرِ، إلّا في الوَقتِ.
قال أبو عُمر: فهذا أصحُّ ما في هذه المسألةِ عن مالك (١)، وذلك أصحُّ الأقاويلِ فيها من جِهةِ النَّظرِ والأثَرِ، وباللَّه التَّوفيقُ.
وأمّا الشّافِعيُّ وأبو ثَوْرٍ، فكانا يقولانِ: إن شاءَ المُسافِرُ قصَرَ، وإن شاءَ أتمَّ.
وذكر أبو سَعْدٍ القَزْوينيُّ المالكيُّ: أنَّ الصَّحيحَ في مذهبِ مالكٍ: التَّخييرُ للمُسافِرِ في الإتمام والقَصْرِ، كما قال الشّافِعيُّ، إلّا أنَّهُ يَسْتَحبُّ لهُ القَصْرُ، ولذلك يَرى عليه الإعادةَ في الوَقتِ إن أتمَّ.
وقال أبو حَنِيفةَ وأصحابُهُ: إذا صلَّى المُسافِرُ أربعًا، فإن كان قعدَ في كلِّ رَكْعتينِ قَدْرَ التَّشهُّدِ، فصلاتُهُ تامّةٌ، وإن لم يَكُن قعَدَ في الرَّكعتينِ الأُوليينِ قَدْرَ التَّشهُّدِ، فعليه أن يُعيدَ.