للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودلَّ ما ذكَرنَاه على أنَّ ما جاءَ في الكَلبِ مِن غسلِ الإناءِ مِن وُلُوغِه سبعًا (١)، أنَّه تعَبُّد واستِحبابٌ؛ لأنَّ قولَه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الهِرِّ: "إنَّها ليستْ بنَجَسٍ، إنَّها مِن الطوَّافينَ عليكم". بيانٌ أنَّ الطوَّافينَ علينا ليسوا بنَجَسٍ في طباعِهم وخِلْقَتِهم، وقد أُبيحَ لنا اتِّخاذُ الكلبِ للصيدِ والغَنَم والزَّرع أيضًا، فصارَ مِن الطوَّافِينَ علينا، والاعتبارُ أيضًا يقضِي بالجمع بينَهما لعلَّةِ أنَّ كُلَّ واحدٍ منهما سَبُعٌ يَفترِسُ ويأكُلُ المَيتةَ، فإذا جاءَ نصٌّ في أحدِهما كان حُكمُ نَظيرِه حُكمَه، ولمَّا فارقَ غسلُ الإناءِ مِن وُلوغِ الكلبِ سائرَ غسلِ النَّجاسَاتِ كلِّها، عَلِمنا أنَّ ذلك ليسَ لنَجاسةٍ، ولو كانَ لنَجاسَةٍ سُلِكَ به سَبيلُ النَّجاسَاتِ في الإنقَاءِ مِن غيرِ تَحديد.

وأمَّا قولُ مَن قال (٢): إنَّه ليسَ في حديثِ أبي قَتَادةَ ما يدُلُّ مِن قَولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على طَهارَةِ الهِرِّ. وزعَمَ أنَّ أبا قَتَادةَ هو القائِلُ: "إنَّها ليسَتْ بنَجسٍ". ثم قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّها مِن الطَّوَّافينَ عليكم". فإنَّه شُبِّه عليه برِوايةِ مَن روَى هذا الحديثَ، عن إسحاقَ وغيرِه، فقال فيه: عن أبي قَتَادةَ: إنَّها ليسَتْ بنَجس. وقال: قال أبو قَتادَةَ: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هي مِن الطَّوَّافينَ عليكم".


(١) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٧٢ (٧١) عن أبي الزناد عبد اللَّه بن ذكوان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مرّات".
وأخرجه أحمد في المسند ١٦/ ٢٣ (٩٩٢٩)، والبخاري (١٧٢)، ومسلم (٢٧٩) (٩٠) من طريق مالكٍ، به. وهو الحديث الخامس والعشرون لأبي الزناد، وسيأتي مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٢) يشير بذلك إلى ما ذكره أبو حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني وابن أبي ليلى وغيرهما، فيما نقل ذلك الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ١١٩ قال في سُؤر الهِرّة: "كرهه أبو حنيفة ومحمد وابن أبي ليلى، ورُويَ عن ابن عمر وأبي هريرة" ثم ذكر حديث أبي قتادة في هذا، وقال: "ولم يذكر حُكم سؤرها في كراهةٍ ولا إباحة، والإباحة المذكورة فيه من قول أبي قتادة". وينظر: شرح معاني الآثار له ١/ ٩١ بإثر الحديث (٥٠)، وشرح مشكل الآثار ٧/ ٧٤ بإثر الحديث (٢٦٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>