للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وقد يكونُ الطَّوَّافُونَ علينا يُنجِّسونَ الماءَ. قال: فقولُ أبي قتَادةَ: إنَّها ليست بنَجسٍ. لم يُضفْه إلى رَسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنَّما أَضَافَ إلى رسولِ اللَّه قولَه: "إنَّها مِن الطَّوَّافينَ".

قال أبو عُمر: هذا اعتِلالٌ لا معنَى له؛ لأنَّ حديثَ مالكٍ، وهو أصحُّ الناسِ له نَقلًا عن إسحاقَ، فيه أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّها ليسَتْ بنَجسٍ، إنَّها مِن الطَّوَّافينَ عليكُم". وفي هذا بيانُ جَهلِه بحدِيثِ مالكٍ. ثم نقولُ: إنَّ ذلكَ لو كانَ كما ذكَر مِن قولِ أبي قَتادةَ ولم يكنْ مرفوعًا، لكنَّا أسعدَ بالتأويلِ منه؛ لأنَّ أبا قتادةَ إنَّما خاطَبَها بما فَهِمَه عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الهِرِّ، ومَن شَهِدَ القولَ وعرَفَ مَخرجَه سُلِّمَ له في التأويل.

والنجاسةُ في الحيوانِ أصلُها مأخوذٌ مِن التوقيفِ لا مِن جهةِ الرأي، فاستحالَ أنْ يكونَ ذلك رأيَ أبي قتادةَ، مع أنَّ روايَةَ مالكٍ في طَهارَةِ الهِرِّ مرفوعةٌ، ومَن خالفَ مالكًا فوَقَفها، ليسَ بحُجَّةٍ فيما قَصَّرَ عنه على مالكٍ، ومالكٌ عليه حُجَّةٌ عندَ جميع أهلِ النقلِ إن شاءَ اللَّه.

وما أعلمُ أحدًا أسقطَ مِن حديثِ أبي قتادة هذا قولَه عن النبيِّ عليه السَّلامُ: "إنَّها ليسَتْ بنَجسٍ". إلَّا ما ذكرَه أسدُ بنُ موسى، عن حمَّاد بنِ سلمَةَ، عن إسحاقَ بنِ عبدِ اللَّه بنِ أبي طلحةَ، عن أبي قتادةَ، أنَّه كان يُصغي الإناءَ للسِّنَّورِ فيَلَغُ فيه، ثم يتوضَّأ منه ويقولُ: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هي مِنَ الطَّوَّافينَ والطَّوَّافاتِ عليكُم" (١).


(١) ذكره الدارقطني في العلل ٦/ ١٦٢ (١٠٤٤) في سياق ذكره للاختلاف فيه على إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، قال: "ورواه حمّاد بن سلمة، عن أبي قتادة مرسلًا" ثم قال: "ورواه حمّاد بن سلمة، عن أبي قتادة مرسلًا" ثم قال: "ورفْعُه صحيح، ولعلّ مَنْ وقَفَه لم يسأل أبا قتادة: هل عنده عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه أثرٌ أم لا؟ لأنهم حَكُوا فِعْلَ أبي قتادة حسْبُ. وأحسَنُها إسنادًا ما رواهُ مالكٌ عن إسحاق، عن امرأته، عن أُمِّها، عن أبي قتادة. وحَفِظَ أسماءَ النِّسْوةِ وأنسابِهُنَّ، وجوَّدَ ذلك، ورفَعَه إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-".
قلنا: وإسناد حديث حماد بن سلمة منقطع، فإن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة لم يدرك أبا قتادة الأنصاري، وسيشير المصنّف إلى هذا قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>