للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن أخطأ قومٌ القِبلةَ، وقد تَعمَّدُوها، فصلَّوا ركعةً، ثُمَّ علِمُوا بها، صَرفُوا وُجُوههُم فيما بَقِيَ من صلاتِهِم إلى القِبلةِ، وصلاتُهُم تامّةٌ، وكذلك لو أتمُّوا، ثُمَّ علِمُوا بعدُ، لم يُعيدُوا.

وقال الطَّبريُّ: من تحرَّى فأخَطَأ القِبلةَ، أعادَ أبدًا إذا اسْتَدبرها. وهُو أحدُ قولي الشّافِعيِّ.

قال أبو عُمر: النَّظرُ في هذا البابِ، يَشْهدُ أنْ لا إعادةَ على من صلَّى إلى القِبلةِ عندَ نفسِهِ مُجتهِدًا، لخفاءِ ناحيتِها عليه؛ لأنَّهُ قد عمِلَ ما أُمِرَ به، وأدَّى ما افتُرِضَ عليه منِ اجتِهابٍ بطلبِ الدَّليلِ على القِبْلةِ، حتّى حَسِبَ أنَّهُ مُسْتقبِلُها، ثُمَّ لمّا صلَّى بانَ لهُ خَطؤُهُ.

وقد كان العُلماءُ مُجمِعينَ على أنَّهُ قد فعَلَ ما أُبِيحَ لهُ فِعلُهُ، بل ما لزِمهُ، ثُمَّ اختلفُوا في إيجابِ القَضاءِ عليه، إذا بان لهُ أنَّهُ أخطأ القِبلةَ، وإيجابُ الإعادةِ إيجابُ فرْضٍ، والفرائضُ تثبُتُ إلّا بيقينٍ لا مَدْفعَ لهُ.

ألا تَرى إلى إجماعِهِم فيمَنْ خَفِي عليه موضِعُ الماءِ (١)، فطَلَبهُ جهدَهُ، ولم يجِدهُ فتيمَّمَ وصلَّى، ثُمَّ وجدَ الماءَ: أنَّهُ لا شيءَ عليه، لأَنَّهُ قد فعلَ ما أُمِر به؟

(٢) وأمّا قولُ من رأى عليه الإعادةَ في الوقتِ وبعدهُ، قياسًا على من صلَّى بغيرِ وُضُوءٍ، فليسَ بشيءٍ؛ لأنَّ هذا ليسَ بمَوضِع اجتِهادٍ في الوُضُوءِ، إلّا عندَ عَدمِهِ، فإنَّهُ يُؤمَرُ بالاجتِهادِ في طَلبِهِ، على ما تقدَّمَ ذِكرُنا لهُ.

وأمّا قولُ من قال: يُعيدُ ما دامَ في الوَقتِ. فإنَّما هُو اسْتِحبابٌ؟ لأنَّ الإعادةَ لو وجبَتْ عليه، لم يُسقِطها خُرُوجُ الوَقتِ.

وهذا واضِحٌ يُسْتَغْنَى عنِ القولِ فيه.


(١) من هنا إلى قوله: "الماء" سقط من ي ١، قفز نظر.
(٢) هذه الفقرة سقطت كلها من ي ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>