للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُوِيَ هذا المعنى عن عبدِ اللَّه بنِ عبَّاسٍ، وابنِ مسعودٍ، وسعيدِ بنِ المُسيِّب، على اختِلافٍ عنه، وسعيدِ بنِ جُبيرٍ (١). وهو قولُ الأوزاعِيِّ، والليثِ بنِ سعدٍ، والحسنِ بنِ صالح (٢)، وداودَ بنِ عليٍّ (٣). وهو مذهَبُ أهلِ البصرَةِ أيضًا، وهو الصَّحيحُ في النَّظَرِ وجيِّدِ الأثَرِ.

وأمَّا الكُوفيُّونَ، فالنَّجاسَةُ عندَهم تُفسِدُ قليلَ الماءِ وكَثِيرَه إذا حلَّتْ فيه، إلَّا الماءَ المستَبْحِرَ الكثيرَ الذي لا يَقدِرُ آدَمِيٌّ على تَحريكِ جَمِيعِه (٤)؛ قِياسًا على البحرِ الذي قال فيه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو الطَّهُورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتَتُه" (٥).

وأمَّا الشَّافعيُّ، فمَذهَبُه في الماءِ نحوُ مَذهَبِ المِصريِّين مِن أصحابِ مالكٍ، وروايَتُهم في ذلك عن مالكٍ أنَّ قليلَ الماءِ يُفسِدُه قليلُ النَّجاسَةِ، ولا يفسِدُ كثيرَه إلَّا ما غلَبَ عليه فغيَّرَ طعمَه أو رائحتَه أو لَونَه (٦).

إلَّا أنَّ مالِكًا في هذه الرِّوايَةِ عنه لا يَحُدُّ حدًّا بينَ قليلِ الماءِ الذي تَلحَقُه النَّجاسةُ وبينَ كثيرِه الذي لا تَلحقُه النَّجاسَةُ إلَّا بالغَلَبةِ عليه، إلَّا ما غلَبَ على


(١) ينظر: المصنَّف لعبد الرزاق ١/ ٨٢ (٢٧٥)، والطهور لأبي عبيد (١٥٧) و (١٧٧) و (١٧٩)، وسنن الدارقطني ١/ ٣٢.
(٢) كان الحسن بن صالح زيديًّا.
(٣) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١١٧.
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي ١/ ٧٠، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ٣٠.
(٥) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٥٥ (٤٥) عن صفوان بن سُليم، عن سعيد بن سلمة، من آل بني الأزرق، عن المُغيرة بن أبي بُردة، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
ومن طريق مالك أخرجه أحمد في المسند ١٢/ ٧١ (٧٢٣٣)، وأبو داود (٨٣)، وابن ماجة (٣٨٦)، والترمذي (٦٩)، والنسائي في المجتبى (٥٩)، وفي الكبرى ١/ ٩٣ (٥٨)، وهو حديث صحيح، وهو الحديث الثاني لصفوان بن سُليم، وسيأتي مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٦) ينظر: الأمّ للشافعي ١/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>