للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: ١١]. وقد أجمعتِ الأمَّةُ أنَّ الماءَ مُطهِّر للنَّجاساتِ، وأنَّه ليسَ في ذلك كسائرِ المائِعاتِ الطَّاهِراتِ، فثبَتَ بذلك هذا التأويلُ، وما كانَ طاهِرًا مُطَهِّرًا، استَحالَ أنْ تَلحَقَه النَّجاسَةُ؛ لأنَّه لو لَحِقَته النَّجاسةُ لم يكنْ مُطهِّرًا أبدًا، لأنَّه لا يُطَهِّرُها إلَا بمُمازَجَتِه إيَّاهَا، واختِلاطِه بها، فلو أفسَدَتْه النَّجاسةُ مِن غيرِ أنْ تغلِبَ عليه، وكان حُكمُه حُكمَ سائرِ المائِعاتِ التي تنجُسُ بمُماسَّةِ النَّجاسَةِ لها، لم تَحصلْ لأحدٍ طهارةٌ، ولا استنجَى أَبَدًا.

والسُّنَنُ شاهدةٌ لما قُلنا بمِثلِ ما شَهِدَ به النَّظرُ مِن كتابِ اللَّه عزَّ وجلَّ، فَمِن ذلك أمرُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنْ يُصبَّ على بَولِ الأعرابيِّ دَلوٌ مِن ماءٍ، أو ذَنُوبٌ مِن ماءٍ، وهو أصحُّ حديثٍ يُروَى في الماءِ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعلومٌ أنَّ البَولَ إذا صُبَّ عليه الماءُ مازَجَه، ولكنَّه إذا غلَبَ الماءُ عليه طهَّرَه ولم يَضُرَّه مُمازجةُ البَولِ له.

أخبرنا عبدُ الوارِثِ بنُ سُفيانَ، قال: أخبَرَنا قاسمُ بنُ أصبَغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ إسماعيلَ (١)، قال: حدَّثنا نُعيمُ بنُ حمَّادٍ، قال: حدَّثنا ابنُ المباركِ، قال: أخبَرنا يونُسُ بنُ يزيدَ، عن الزُّهريِّ، قال: حدَّثني عُبيدُ اللَّه بنُ عبدِ اللَّه، أنَّ أبا هريرةَ أخبَرَه أنَّ أعرَابيًّا بال في المسجدِ، فثارَ الناسُ إليه ليَمنَعوه، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دعُوهُ، وأهْرِيقوا على بَولِهِ ذَنوبًا مِن ماءٍ -أو قال: سَجْلًا مِن ماء- فإنَّما بُعثتُم مُيسِّرين، ولم تُبعَثوا مُعسِّرين" (٢).


(١) هو أبو إسماعيل الترمذيّ.
(٢) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ١/ ٥٠ (٢٩٧) عن طريق عبد اللَّه بن المبارك، به.
وأخرجه أحمد في المسند ١٣/ ٢١٠ (٧٨٠٠)، وابن حبّان في صحيحه ٤/ ٢٤٥ (١٤٠٠) من طريق يونس بن يزيد الأيليّ، به.
وهو عند البخاري (٢٢٠)، والنسائي في المجتبى (٥٦) و (٣٣٠)، وفي الكبرى ١/ ٩٢ (٥٤) من طريق محمد بن شهاب الزُّهريّ، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>