للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسألَنا عن مسِّ الذَّكرِ، فقال ابنُ جُرَيج: يتوضَّأُ. وقلتُ: لا وُضُوءَ عليه. فلمّا اختلفنا، قلتُ لابنِ جُريج: أرأيتَ لو أنَّ رجُلًا وضعَ يدَه في مَنيٍّ، قال: يَغْسِلُ يَدَهُ. قلتُ: فأيُّها أنجسُ المنيُّ، أم الذَّكرُ؟ قال: المنيُّ. قلتُ: فكيفَ هذا؟ قال: ما ألقاها على لسانِكَ إلّا شَيْطانٌ.

قال أبو عُمر: إنَّما جازَتِ المُناظرةُ والقياسُ عندَهُما في هذه المسألةِ، لاختِلافِ الآثارِ فيها عنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنَّهُ لم يأتِ عنهُ فيها عندَهُما شيءٌ يجِبُ التَّسليمُ لهُ من وجهٍ لا تعارُض فيه، واختلَفَ فيه الصَّحابةُ أيضًا، فمِن هاهُنا تناظرا فيها.

والأسانيدُ عنِ الصَّحابةِ في إسقاطِ الوُضُوءِ منهُ، أسانيدُ صِحاحٌ، من نَقلِ الثِّقاتِ.

قال أبو عُمر: تحصيلُ مَذهبِ مالكٍ (١) في ذلك: أنْ لا وُضُوءَ فيه؛ لأنَّ الوُضُوءَ عندَهُ منهُ استِحباب، لا إيجاب. بدليلِ أنَّهُ لا يَرى الإعادةَ على من صلَّى بعدَ أن مَسَّ ذكرهُ إلّا في الوقتِ. وفي (٢) سماع أشهب وابنِ نافع، عن مالكٍ: أنَّهُ سُئلَ عنِ الذي يَمسُّ ذكرهُ ويُصلِّي: أيُعيدُ الصَّلاةَ؟ فقال: لا أُوجِبُهُ أنا. فرُوجِعَ، فقال: يُعيدُ ما كان في الوَقتِ، وإلّا فلا (٣).

وقال الأوزاعيُّ: إن مَسَّ ذكرهُ بساعِدِهِ، فعليه الوُضُوءُ. وهُو قولُ عَطاءٍ. وبه قال أحمدُ بن حَنْبل (٤).


(١) في ي ١: "وزعم جماعة من أهل العلم أن مذهب مالك".
(٢) من هنا إلي آخر الفقرة لم يرد في ي ١.
(٣) انظر: النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني ١/ ٥٥.
(٤) انظر: مصنَّف عبد الرزاق (٤٣٢)، والأوسط لابن المنذر ١/ ٣١٢، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>