والأحاديثُ عن عائشةَ في هذا مُضْطرِبةٌ، ويستحيلُ أن تكونَ السَّبعُ مَنسُوخةً عندَها بخمسٍ، ثُمَّ تُفتي بالسَّبع، ولا تقُومُ بما نُقِلَ عن عائشةَ في هذا الحديثِ حُجّةٌ.
وقد مَضَى القولُ في ذلك بما يكفي، في بابِ ابنِ شِهاب، والحمدُ للَّه.
وأمّا من جِهةِ الإسنادِ، فحديثُ مالكٍ أثبتُ عندَ أهلِ العِلْم بالحديثِ، من حديثِ صالح أبي الخَليلِ؛ لأنَّ نَقَلتهُ كلَّهُم أئمّةٌ عُلماءُ جِلّةٌ، وإن كان قد قيلَ: إنَّ مالكًا انفرَدَ بهذا الحديثِ عن عبدِ اللَّه بن أبي بكرٍ، وإنَّ عبدَ اللَّه بن أبي بكرٍ انفرَدَ به عن عَمرةَ، وإنَّهُ لا يُعرَفُ إلّا بهذا الإسنادِ، ولكِنَّهُم عُدُولٌ، يجِبُ العَملُ بما رَوَوهُ، وباللَّه التَّوفيقُ (١).
(١) قال بشار: هذا الحديث أورده ابن المظفر في كتابه: "غرائب مالك" (٥٨)، وقال محققه: "أما وجه الغرابة في هذا الحديث فلم تتبين لي إلى حد الآن، واللَّه الموفق". هكذا تعجل فقال هذه القالة، مع أن ابن عبد البر قد بيّن الغرابة في "التمهيد" فقال: "قد قيل: إن مالكًا انفرد بهذا الحديث عن عبد اللَّه بن أبي بكر، وأن عبد اللَّه بن أبي بكر انفرد به عن عمرة، وأنه لا يُعرف إلا بهذا الإسناد" (١٧/ ٢١٧). قلت: وإنما يريد التفرد باللفظ الذي رواه به، فالتفرد في حقيقته يكمن بتفرد مالك بروايته عن عبد اللَّه بن أبي بكر بالجملة الأخيرة منه، فقد رواه يحيى بن سعيد الأنصاري والقاسم بن محمد كلاهما، عن عمرة، عن عائشة، ولم يذكرا الشطر الأخير المشار إليه منه، وروايتهما أصح إن شاء اللَّه، وليس كما زعم ابن عبد البر، وإن كانت رواية عبد اللَّه بن أبي بكر عند مسلم. وأيضًا فإن الشراح والمتفقهة حملوا ذلك على النسخ في أواخر عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما قال النووي وابن حجر وغيرهما، لكنه تأويل بعيد في رأينا، والأحسن ترجيح رواية يحيى بن سعيد والقاسم على هذه الرواية، واللَّه الموفق للصواب.