للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشّافِعيُّ وأبو ثورٍ وأحمدُ وإسحاقُ وسائرُ أهلِ العِلم: تُشعرُ البُدنُ في الشِّقِّ الأيمنِ. وحُجَّتُهُم: أنَّ رسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قلَّد بَدَنةً، وأشْعَرَها من الشِّقِّ الأيمنِ، وسلَتَ الدَّم عنها. رواهُ ابنُ عبّاسٍ وغيرُهُ عنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (١).

وأمّا من جِهةِ النَّظرِ، فإنَّ الأُصُولَ كلَّها تشهدُ، أنَّ المُحرِمَ لا يحِلُّ إلّا بعمَلٍ يعملُهُ، أقلُّهُ الطَّوافُ بالبيتِ، والسَّعيُ بين الصَّفا والمروةِ. وهذا أمرٌ مُتَّفقٌ عليه.

وفي حديثِ عبدِ الرَّحمنِ بن عَطاءٍ، وقولِ (٢) ابنِ عبّاسٍ، وابنِ عُمرَ، ما يُوجِبُ أن يحِلَّ، دُونَ عَمَل يَعْملُهُ، إذا نَحرَ هَدْيهُ، وهذا خِلافُ الإحْرام المُتَّفَقِ عليه.

وليسَ حديثُ جابرٍ، مِمّا يُعارَضُ بمِثلِهِ حديثُ عائشةَ عندَ أهلِ العِلم بالحديثِ، وقد كان ابنُ الزُّبيرِ يحلِفُ: إنَّ فِعلَ ما رُوي عنِ ابنِ عبّاسٍ وابنِ عُمرَ في هذا البابِ بدعةٌ، ولا يجُوزُ في العُقولِ أن يحلِفَ على أنَّ ذلك بدعةٌ، إلّا وهُو قد علِمَ أنَّ السُّنّةَ خِلافُ ذلك.

رَوى مالكٌ (٣)، عن يحيى بن سَعيدٍ، عن محمدِ بن إبراهيمَ بن الحارِثِ التَّيميِّ، عن ربيعةَ بن عبدِ اللَّه بن الهُديرِ، أنَّهُ رأى رَجُلًا مُتجرِّدًا بالعِراقِ، قال: فسَألتُ النّاسَ عنهُ، فقالوا: أمرَ بهديِهِ أن يُقلَّدَ، فلِذلك تجرَّدَ. قال ربيعةُ: فلقيتُ عبدَ اللَّه بن الزُّبيرِ، فقال: بدْعةٌ وربِّ الكَعْبةِ.

وفي حديثِ عائشةَ أيضًا من الفِقهِ، ما يرُدُّ الحديثَ الذي رواهُ شُعبةُ، عن مالكِ بن أنَسٍ، عن عُمرَ بن مُسلِم بن أكيمةَ، عن سعيدِ بن المُسيِّبِ، عن أُمِّ سلمةَ،


(١) سلف تخريجه في هذا الباب.
(٢) في ي ١: "وهو قول".
(٣) في الموطأ ١/ ٤٥٩ (٩٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>