للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك يُسمِّيهِ أهلُ الحِجازِ: طَوافَ الإفاضةِ. ويُسمِّيهِ أهلُ العِراقِ: طوافَ الزِّيارةِ. وكرِهَ مالكٌ أن يُقال: طوافُ الزِّيارةِ.

وهُو واجِبٌ فرضًا عندَ الجميع، لا ينُوبُ عنهُ دمٌ، ولا بُدَّ من الإتيانِ به، وإيّاهُ عَنَى اللَّهُ عزَّ وجلَّ بقولِهِ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩]، إلّا أنَّ مذهبَ مالكٍ في هذا الطَّوافِ: أنَّهُ ينُوبُ عنهُ غيرُهُ، مع وُجُوبِهِ عندَهُ، على حسَبِ ما بيَّناهُ من مَذهبِهِ في ذلك، في الكِتابِ "الكافي" (١).

وفي هذا الحديثِ دليلٌ واضِحٌ أيضًا على وُجُوبِهِ، وإن كان الإجماعُ يُغني عن ذلك.

ألا تَرى إلى قولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لعلَّها تحبِسُنا؟ "، ثُمَّ قال: "ألم تَكُن طافَتْ معكُنَّ؟ "، فلمّا قيلَ لهُ: بلى، قال: "فاخرُجنَ". فلو قيلَ لهُ: لم تَطُف، لاحتبَسَ عليها حتّى تَطْهُر من حَيْضتِها وتطُوفَ.

لأنَّ من أدركَ عَرَفةَ قبلَ انفِجارِ الصُّبح، من يوم النَّحرِ، فقد أدركَ الحجَّ، فكلُّ فرْضٍ فيه سِواهُ يجيءُ به متى ما أمْكَنَهُ وقدَرَ عليه، وكلُّ سُنّةٍ فيه جَبْرُها بالدَّم، فالمرأةُ الحائضُ قبلَ طَوافِ الإفاضةِ، تبَقَى ويُحبَسُ عليها كَرِيُّها (٢) حتّى تَطْهُر فتفيضَ، فإذا كانت قد أفاضَتْ، ثُمَّ حاضَتْ وخرجَ النّاسُ، لم يَكُن عليها التقاءُ لوداع البيتِ ورُخِّصَ لها في أن تنفِرَ، وتَدَعَ السُّنّةَ في طَوافِ الوَداع، رُخصةً لها، وعُذرًا وسعةً (٣).


(١) انظر: الكافي في فقه أهل المدينة، ص ١٣٦ - ١٣٧.
(٢) الكَريُّ: من يؤجِّر دابته. المعجم الوسيط، ص ٧٨٥.
(٣) في م: "وعذار وسعته" بدل: "وعذرًا وسعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>